المجلس التاسع
ممّا جاء في كرم الحسين (ع) ، أنّ أعرابياً جاءه فقال : يابن رسول الله ، قد ضمنت ديّة كاملة وعجزت عن أدائها ، فقلت في نفسي : أسأل أكرم النّاس ، وما رأيت أكرم من آل محمّد (ص). فقال (ع) : «أسألك عن ثلاث مسائل ؛ فإنْ أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال ، وإنْ أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال ، وإنْ أجبت عن الكلّ أعطيتك الكلّ». فقال الأعرابي : يابن رسول الله ، أمثلك يسأل مثلي ، وأنت من أهل العلم والشرف؟! فقال الحسين (ع) : «بلى ، سمعت جدّي رسول الله (ص) يقول : المعروف بقدر المعرفة». فقال الأعرابي : سلْ عمّا بدا لك فإنْ أجبت ، وإلاّ تعلمت منك. فقال الحسين (ع) : «أي الأعمال أفضل؟». فقال الأعرابي : الإيمان بالله. فقال الحسين (ع) : «فما النجاة من المهلكة؟». فقال الأعرابي : الثقة بالله. فقال الحسين (ع) : «فما يزين الرجل؟». فقال الأعرابي : علم معه حلم. فقال الحسين (ع) : «فإنْ أخطأه ذلك؟». فقال الأعرابي : مال معه مروءة. فقال الحسين (ع) : «فإنْ أخطأه ذلك؟». فقال الأعرابي : فقر معه صبر. فقال الحسين (ع) : «فإنْ أخطأه ذلك؟». فقال الأعرابي : فصاعقة تنزل من السّماء فتحرقه ؛ فإنّه أهل لذلك. فضحك الحسين (ع) ورمى إليه بصرّة فيها ألف دينار ، وأعطاه خاتمه وفيه فصّ قيمته مئتا درهم ، وقال الحسين (ع) «يا أعرابي ، إعط ِالذهب غرماءك ، واصرف الخاتم في نفقتك». فأخذ الأعرابي المال ، وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالته. وعلّم عبد الرحمن السّلمي بعض ولْد الحسين (ع) سورة الفاتحة ، فلمّا قرأها الصبي على أبيه الحسين (ع) ، أعطى ذلك المعلّم ألف دينار وألف حلّة وحشا فاه درّاً. فقيل له في ذلك ، فقال (ع) : «وأين يقع هذا من إعطائه» : يعني تعليمه للسورة. وأنشد الحسين (ع) يقول :
إذا جادتْ الدّنيا عليك فجُدْ بها |
|
على النّاس طُرّاً قبل أنْ تتفلّتِ |
فلا الجودُ يُفنيها إذا هي أقبلتْ |
|
ولا البخلُ يُبقيها إذا ما تولّتِ |