المجلس الثّالث والثّلاثون بعد المئة
ذكر المفيد عليه الرّحمة في إرشاده ، من جملة غزوات أمير المؤمنين علي (ع) غزاة ذات السّلاسل. قال : وإنّما سُمّيت بذلك ؛ لأنّه اُتي بالأسرى مُكتّفين بالحبال كأنّهم في السّلاسل ، وكان السّبب في هذه الغزاة : إنّ إعرابياً أتى إلى النّبي (ص) ، فقال : يا رسول الله ، إنّ جماعة من العرب اجتمعوا بوادي الرّمل على أنْ يبيّتوك في المدينة. فأمر بالصّلاة جماعة فاجتمعوا وعرّفهم ذلك ، وقال : «مَن لهم؟». فابتدرت جماعة من أهل الصّفة (١) وغيرهم ، وعدّتهم ثمانون رجلاً ، وقالوا : نحن ، فولِّ علينا مَن شئت. فاستدعى رجلاً من المهاجرين ، وقال له : «امضِ». فمضى فاتبعهم القوم فهزموهم وقتلوا جماعة كثيرة من المسلمين ، وانهزم ذلك الرّجل وجاء إلى رسول الله (ص) ، فبعث آخر من المُهاجرين فهزموه ، فساء ذلك النّبي (ص) ، فقال عمرو بن العاص : ابعثني يا رسول الله ، فإنّ الحرب خدعة ولعلّي أخدعهم. فانفذه مع جماعة ، فلمّا صاروا إلى الوادي ، خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من أصحابه جماعة. ثُمّ دعا أميرَ المؤمنين (ع) وبعثه ، وقال : «أرسلته كرّاراً غير فرّار». ودعا له وخرج معه مشيّعاً إلى مسجد الأحزاب ، وعلي (ع) على فرس أشقر عليه بُردان يمانيان وفي يده قناة خطيّة ، فانفذ معه جماعة منهم المرسلان أولاً وعمرو بن العاص ، فسار بهم نحو العراق متنكّباً للطريق حتّى ظنّوا أنّه يُريد غير ذلك الوجه ، ثُمّ أخذ بهم على طريق غامضة واستقبل الوادي من فمه ، وكان يسير الليل ويكمن النّهار ، فلمّا قرب من الوادي ، أمر أصحابه أنْ يخفوا أصواتهم ، وأوقفهم في مكان وتقدّم أمامهم ناحية ، فلمّا رأى عمرو بن العاص فعله ، لم يشكّ في كون الفتح له ، فقال للمرسل أولاً : إنّ هذه أرض ذات سباع ، كثيرة الحجارة ، وهي أشدّ علينا من بني سليم ، والمصلحة أنْ
______________________
(١) الصّفة : سقيفة في مسجد النّبي (ص) كانت مسكن الغُرباء والفُقراء. وأهل الصّفة من المُهاجرين لم يكن لهم منازل ولا أموال فكانوا يسكنونها.