المجلس الرّابع والثّلاثون بعد المئة
قال الله تعالى في سورة آل عمران : (إِنّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقّ مِن رَبّكَ فَلاَ تَكُن مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) نزلت في وفد نجران ، ونجران : بلد بنواحي اليمن كان أهله نصارى ، فارسلوا وفداً منهم إلى النّبي (ص) ، فلمّا وفدوا على رسول الله (ص) وحضر وقت صلاتهم ، أقبلوا يضربون بالنّاقوس وصلّوا إلى المشرق ، فقال أصحاب رسول الله (ص) : يا رسول الله ، هذا في مسجدك! فقال : «دعوهم». فلمّا فرغوا قالوا : يا محمّد ، إلى ما تدعو؟ قال : «إلى شهادة أنْ لا إله إلاّ الله ، وأنّي رسول الله ، وأنّ عيسى عبدٌ مخلوق». فقالوا : هل رأيت ولداً من غير ذكر؟ فنزلت هذه الآيات ، فردّ الله عليهم قولهم في المسيح أنّه ابن الله ، فقال : إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم في خلقه إيّاه من غير أب ولا اُمّ. فقرأها عليهم رسول الله (ص) ودعاهم إلى المُباهلة فاستنظروه إلى صبيحة غد ، فقال لهم الأسقف : انظروا محمّداً في غد ، فإنْ جاء بولده وأهله فاحذروا مباهلته ، وإنْ غدا باصحابه فباهلوه ؛ فإنّه على غير شيء. فلمّا كان الغد ـ وهو الرّابع والعشرون من ذي الحجّة ـ جاء النّبي (ص) آخذاً بيد علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين بين يديه ، وفاطمة خلفه. وخرج النّصارى يقدمهم أسقفهم ولم يباهلوه ، وصالحوه على ألفَي حلّة وعلى أنْ يضيّفوا رسله ، وعلى عارية ثلاثين درعاً وثلاثين رمحاً وثلاثين فرساً عند الحرب ، وأنْ لا يأكلوا الرّبا. ثُمّ إنّ السيّد والعاقب رجعا فاسلما. والمُراد بـ (أَبْنَاءَنَا) في هذه الآية : الحسن والحسين عليهماالسلام ، وبـ َ (نِسَاءَنَا) : فاطمة عليهاالسلام ، وبـ (أَنْفُسَنَا) : علي (ع). ولا يجوز أنْ يُراد بـ َ (أَنْفُسَنَا) النّبي (ص) ؛ لأنّه هو الدّاعي ولا يجوز أنْ يدعو الإنسان نفسه بل يدعو غيره ، فيدلّ على أنّ عليّاً (ع) أفضل النّاس بعد رسول الله (ص)