المجلس السّابع والثّلاثون بعد المئة
في شرح رسالة ابن زيدون وغيرها ، قال : حُكي عن علي بن أبي طالب (ع) أنّه قال يوماً : «سُبحان الله! ما أزهد كثيراً من النّاس في خير! عجباً لرجل يجيئه أخوه المُسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلاً ، فلو كان لا يرجو ثواباً ولا يخلف عقاباً لكان ينبغي له أنْ يُسارع إلى مكارم الأخلاق ، فإنّها تدّل على سبيل النّجاح!». فقام إليه رجل ، وقال : يا أمير المؤمنين ، أسمعته من النّبي (ص)؟ قال : «نعم ، لمّا اُتي بسبايا طيء ، وقفت جارية عيطاء لعساء فلمّا تكلمت ، أنسيت جمالها بفصاحتها ، قالت : يا محمّد ، إنْ رأيت أنْ تخلّي عنّي ولا تشمت بي أحياء العرب ؛ فإنّني ابنة سيّد قومي ، وإنّ أبي كان يفكّ العاني ، ويُشبع الجائع ويكسو العاري ، ويحفظ الجار ويحمي الذّمار ، ويُفرّج عن المكروب ، ويُطعم الطّعام ويُفشي السّلام ، ويعين على نوائب الدّهر ، ولم يرد طالب حاجة قط. أنا ابنة حاتم الطّائي. وكان اسمها سفانة. فقال النّبي (ص) : «يا جارية ، هذه صفة المؤمن حقّاً ، ولو كان أبوك مسلماً لترحّمنا عليه. خلّوا عنها فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق». وقال فيها : «ارحموا عزيزاً ذلّ ، وغنياً افتقر ، وعالماً ضاع بين جُهّال». فأطلقها ومَنّ عليها بقومها. فاستأذنته في الدّعاء له ، فأذن لها ، وقال لأصحابه : «اسمعوا وعوا». فقالت : أصاب الله ببرك مواقعه ولا جعل لك إلى لئيم حاجة ، ولا سلب نعمة عن كريم قوم إلاّ وجعلك سبباً في ردّها عليه. فلمّا أطلقها أتت أخاها عديّاً بدومة الجندل ، فقالت : يا أخي ، ائت هذا الرّجل قبل أنْ تعلقك حبائله ، فإنّي قد رأيت هدياً ورأياً وسيغلب أهل الغلبة. رأيت خصالاً تعجبني ؛ رأيته يحب الفقير ويفكّ الأسير ويرحم الصّغير ويعرف قدر الكبير ، وما رأيت أجود ولا أكرم منه ، وإنّي أرى أنْ تلحق به ؛ فإنْ يكُ نبيّاً فللسابق فضله ، وإنْ يكُ مَلكاً فلنْ تزال في عزّ اليمن. فقدم عدي إلى النّبي (ص) فأسلم ، وأسلمت اُخته سفانة». لا عجب إذا صدر مثل هذا ممّن بُعث ليتمم مكارم الأخلاق ، وقد قال الله تعالى في حقّه : (وَإِنّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم)