المجلس التّاسع والثّلاثون بعد المئة
لمّا كان يوم الجمل ـ وهي الحرب التّي وقعت بين علي (ع) وبين عائشة وطلحة والزّبير بالبصرة ، وإنّما سمّيت حرب الجمل ؛ لأنّ عائشة ركبت على جمل اسمه عسكر في هودج وضعت عليه الدّروع ، وكان جملها لواء أهل البصرة ـ كان مع علي (ع) عشرون ألفاً ، فيهم من الصّحابة ـ على بعض الرّوايات ـ ألف وخمسمئة ، ومن البدريين ثمانون ، وممّن بايع تحت الشّجرة مئتان وخمسون. ومع عائشة ثلاثون ألفاً ، وقُتل من الفريقين عشرون ألفاً. وزحف علي (ع) بالنّاس ثُمّ أوقفهم من صلاة الغداة إلى صلاة الظّهر يدعوهم ويُناشدهم ، ويقول لعائشة : «إنّ الله أمركِ أنْ تقرّي في بيتك ، فاتّقي الله وارجعي». ويقول لطلحة والزّبير : «خبأتما نساءكما وأبرزتما زوجة رسول الله!». فيقولا : إنّما جئنا نطلب بدمّ عثُمّان ، وأنْ يُردّ الأمر شورى. ودعا أمير المؤمنين (ع) الزّبير فخرج إليه ، وعلي (ع) حاسر والزّبير عليه السّلاح ، فقال له (ع) : «أما تذكر يوم رآك رسول الله وأنت تتبسّم إليّ ، فقال لك : أتحب عليّاً؟. فقُلت له : كيف لا اُحبّه وبيني وبينه من النّسب والمودّة في الله ما ليس لغيره! فقال : إنّك ستقاتله وأنت ظالم له. فقلتَ : أعوذ بالله من ذلك؟». قال : اللهمّ نعم. قال (ع) : «أفجئت تُقاتلني؟». قال : أعوذ بالله من ذلك. قال : «دع هذا ، بايعتني طائعاً ثُمّ جئت محارباً ، فما عدا مما بدا؟». قال : لا جرم ، والله لا قاتلتك. ثُمّ رجع ، فلقيه عبد الله ابنه ، فقال : أجبناً يا أبتِ؟! فقال : يا بُني ، قد علم النّاس أنّي لست بجبان ، ولكن ذكّرني عليّ شيئاً سمعته من رسول الله (ص) ، فحلفت أنْ لا اُقاتله. فقال : دونك غلامك مكحولاً ، فأعتقه كفارة ليمينك. قالت عائشة : لا والله ، بل خفت سيوف ابن أبي طالب ، أما إنّها طوال حداد ، تحملها سواعد فتية أنجاد ، ولئن خفتها فلقد خافها الرّجال من قبلك. فحمي الزّبير ونزع سنان رمحه وحمل على عسكر علي (ع) ، فقال علي (ع) : «دعوه ، فإنّه محمول عليه فأفرجوا له». فغاص فيهم حتّى دخل من جانب وخرج من آخر ثُمّ رجع ، فقال لهم : أهذا فعل