المجلس الثّالثّ والأربعون بعد المئة
كان مالك بن الحارث الأشتر من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين (ع) ، ومن ثناء أمير المؤمنين عليه ما كتبه يوم صفّين إلى أميرين من اُمراء جيشه ، من جملة كتاب يقول فيه : «وقد أمّرت عليكما وعلى مَن في حيزكما مالك بن الحارث الأشتر ، فاسمعا له وأطيعا واجعلاه درعاً ومجناً (١) ؛ فإنّه ممّن لا يخاف وهنه (٢) ولا سقطته (٣) ، ولا بطؤه عمّا الإسراع إليه أحزم ، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل (٤)». ولقد بلغ ثناء أمير المؤمنين (ع) على مالك الأشتر في هذه الكلمات ، مع إختصارها ، ما لا يبلغ بالكلام الطّويل ، ولقد جمع (ع) أصنافاً كثيرة من الثّناء والمدح بكلمة واحدة من هذا الكلام ، وهي قوله : «لا يخاف بطؤه عمّا الإسراع إليه أحزم ، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل». ولقد كان الأشتر رحمه الله أهلاً لذلك ، كان شديد البأس جواداً ، رئيساً حليماً ، فصيحاً شاعراً ، ومن شعره قوله :
بقَّيتُ وفري وانحرفتُ عن العُلا |
|
ولقيتُ أضيافي بوجهِ عبوسِ |
إنْ لمْ أشنّ على ابن هندٍ غارةً |
|
لمْ تخلُ يوماً من ذهابِ نفوسِ |
خيلاً كأمثالِ السّعالى شُزّباً |
|
تعدو ببيضٍ في الكريهة شوسِ |
حُميَ الحديدُ عليهمُ فكأنَّهُ |
|
وَمضانُ برقٍ أو شعاعُ شموسِ |
وكان يجمع بين اللين والعنف ، فيسطو في موضع السّطوة ويرفق في موضع الرّفق ، وكان فارساً شجاعاً من أكابر الشّيعة وعظمائها ، شديد التحقّق لولاء أمير المؤمنين (ع)
_____________________
(١) المجن : التّرس.
(٢) ضعفه.
(٣) غلطه وخطأه.
(٤) أفضل.