يُفكّر كيف يُدبّر وسيلة الخلاص عصر اليوم أو صباح الغد؟
الحقيقة كانت فوق كلّ تصوّر ، ولم يبكِ جون ولم ينفلّ ولم يتأثّر ؛ لأنّ ما كان فيه كان فوق البُكاء والإنفعال والتأثّر. كان جون وهو يصلح سيف الحسين (ع) ، والحسين ينشد أبياته ، كان جون يستعرض في ذهنه كلّ ذلك الماضي الحافل ، كان يتذكّر النّبي محمّداً (ص) وهو يرفع الإنسان الأسود إلى أعلى مراتب الكرامة حين عهد إلى واحد منهم بوظيفة مؤذّن النّبي الخاص ، وكان يتذكّر تلك الاُلوف من السّود التّي انطلقت حرّة تنفيذاً لوصايا محمّد ، وكان كلّ ذلك يجول في ذهن جون مولى أبي ذر الغفاري.
وها هو سيف الحسين (ع) الآن في يده لآخر مرّة يصلحه له ليقف به الحسين غداً على أعلى قمّة في التّاريخ فيهزّ الدّنيا كلّها ؛ لتشهد كيف تكون حماية الهُدى والحقِّ والخير ، وكيف تكون البطولات التي لا تبغي إلاّ الاستشهاد ذوداً عمّا تؤمن به وتعتنقه ، وكيف يرفض الاُباة الحياة إذا لم تكن كما يريدون ؛ حياة الحرّية والسّعادة للاُمّة ، وحياة الكرامة والحقّ لهم.
غداً سيلمع هذا السّيف الحديدي في كفّ الحسين (ع) ثُمّ ينثلم إلى الأبد ، ولكن سيف الحقّ الذي جرّده الحسين (ع) سيلمع إلى الأبد دون أنْ ينثلم. وغداً سيعلوا صوت الحسين (ع) بنداء الحرّية ثُمّ يصمت إلى الأبد ، ولكن صوت الحرّية الذي انطلق من فم الحسين (ع) سيظلّ مدويّاً إلى الأبد.
كان جون يلجأ إلى صمت رهيب ، وظلّ صامتاً حتّى دنا الليل ، وأصغى بكلّ جوارحه إلى الحوار البطولي الخارق الذي جرى بين الحسين (ع) وأنصاره ، وهو يحرّضهم على تركه وحده والإنطلاق في سواد الليل ، وهم يردّون عليه واحداً بعد واحد رافضين لأوّل مرّة في حياتهم أوامره ، ويصرّون على أنْ يلقوا المصير نفسه الذي سيُلاقيه هو.
كان جون في تلك السّاعة يجلس في زاوية دون أنْ يأبه له أحد ، وكان يودّ من كلّ قلبه لو كان لصوت الزّنوج صوت بين هذه الأصوات ، ولكنّه فضّل الصّمت المُطبق.
وفي الصّباح عندما تبارى الأبطال المئة متسابقين إلى الموت ، ومسى كلّ منهم يستأذن الحسين (ع) ويودّعه ماضياً إلى مصيره ، تقدّم جون وهو في كلّ خطوة من