المجلس الحادي عشر
ممّا جاء في تواضع الحسين (ع) ، وكرم أخلاقه : أنّه (ع) مرّ بمساكين قد بسطوا كساء لهم وألقوا عليه كسراً ، فقالوا له : هلمّ يابن رسول الله. فجلس وأكل معهم ، ثمّ تلا : «إنّ اللّه لا يُحِبّ المتكبّرين». ثمّ قال (ع) : «قد أجبتكم فأجيبوني». قالوا : نعم يابن رسول الله. فقاموا معه حتّى أتوا منزله ، فقال لجاريته : «اخرجي ما كنتِ تدّخرين». وجنى غلام له جناية توجب العقاب ، فأمر به أنْ يُضرب ، فقال : يا مولاي (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ). قال (ع) : «خلّوا عنه». فقال : يا مولاي (وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ). فقال (ع) : «قد عفوت عنك». فقال : يا مولاي (وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِين) فقال (ع) : «أنت حرّ لوجه الله تعالى ، ولك ضعف ما كنت أعطيك». وممّا جاء في عبادة الحسين (ع) : أنّه حجّ خمس وعشرين حجّة ماشياً ، وأنّ النّجائب لتقاد معه. وقيل له يوماً : ما أعظم خوفك من ربّك! فقال : «لا يأمن من يوم القيامة إلاّ مَن خاف الله في الدنيا». وكان إذا توضّأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله ، فقيل له في ذلك ، فقال (ع) : «حقّ لمَن وَقفَ بين يدي الملك الجبّار أنْ يصفرّ لونه وترتعد مفاصله». وأمّا إباؤه للضيم ، فقد ضُربت به الأمثال ونُظمت فيه الأشعار. قال الشاعر :
وإنَّ الاُولى بالطفِّ من آلِ هاشمٍ |
|
تآسَوا فسنّوا للكرام التآسيا |
وقال بعضهم : كأنّ أبيات أبي تمّام في محمّد بن حميد الطوسي ما قيلت إلاّ في الحسين (ع) :
وقدْ كان فوتُ الموتِ سهلاً فردَّهُ |
|
إليه الحفاظُ المرّ والخُلُقُ الوعرُ |
ونفسٌ تعافُ الضّيمَ حتّى كأنّما |
|
هو الكُفرُ يومَ الرّوعِ أو دونه الكفرُ |
فأثبتَ في مُسْتنقعِ الموتِ رِجلَهُ |
|
وقال لها من دون أخمصكِ الحشرُ |
تردَّى ثيابَ الموت حُمراً فما دَجا |
|
لها الليلُ إلاّ وهي من سندس خُضرُ |