سلام إلاّ قليلاً ، فطلّق امرأته اُرينب ، وبعد الطّلاق فوجئ بإنّ ابنة معاوية ترفض زواجه ، وأنّ معاوية رجل مُتحضّر يرفض أنْ يُرغم ابنته على زواجٍ تأباه.
أمّا اُرينب فقد رفضت طلب رسول معاوية ، وإنقاذاً للموقف سارع الحسين (ع) بزواجها ، حتّى اذا رجع عبد الله بن سلام خائباً ردّها الحسين (ع) دون أنْ يقربها.
مثل هذه القصّة تكشف عن المدى الذي وصلت إليه أخلاق النّاس ، وكيف استطاع الحُكم أنْ يُفسد هذه الأخلاق حتّى يهبط بها إلى هذا المستوى.
وسنجد أنّ الأخ يخذل أخاه ، والابن يعقُّ أباه ، وأنّ الخوف والطّمع هُما المُحرّكان الأساسيان في هذا المُجتمع.
وفي هذا الجوِّ المُخيف من انهيار القيم ، فكّر معاوية في أنْ يورّث الخلافة في بيته ، ولم ينقضِ نصف قرن على الإسلام.
وتروي الكتب القديمة : أنّ معاوية قد اُوحي إليه بهذه الفكرة من أحد الدّهاة المُتزلّفين هو المغيرة بن شعبة ، وكان الخليفة قد غضب عليه في أمر من الاُمور ، فاراد أنْ يشتري رضاءه بهذه الزّلفى ، وأنْ يضيف إليها إسهامه في انتزاع البيعة من الولاية التّي يحكمها.
ومثل هذه الرّواية لا تستبعد في هذه الظّروف ، والواقع يؤكدها ؛ فقد انتهى الأمر فعلاً إلى خلافة يزيد بن معاوية. ولكنّ الغريب أنّ يزيد هذا كان سكّيراً عربيداً متبطّلاً ، وقصّة غرامه باُرينب بنت إسحق تكشف عن طبيعته المتبطّلة المتفسّخة ، وأنّها لجرأة في النّفاق من المغيرة بن شعبة هذا أنْ يقترحه على معاوية خليفة للمسلمين.
وبدأ معاوية يعمل لتنفيذ الفكرة ، غير عابئ بردّ الفعل الخطير الذي سيحدثه في الرّأى العام للمسلمين ، فما من مسلم إلاّ ويعلم سيرة يزيد ، وما من مسلم إلاّ ويرفض أنْ يتحوّل الإسلام إلى كسروية أو قيصرية.
ومع ذلك فقد فُرض يزيد خليفة على المسلمين وبويع بالخلافة في عهد أبيه! ولسنا في حاجة إلى تقصّي قصّة هذه البيعة ، ولا ما قيل من روايات كثيرة عن الاُسلوب الإرهابي الذي اتبعه معاوية ، إلاّ أنّ الواضح أنّ الشّعب كان في وادٍ والسّلطة في وادٍ آخر. وحين يحكم السّيف ، تضيع الكرامة ويستسلم النّاس ويستدعون من أنفسهم كلّ الكوامن الخبيثة ؛ ليعايشوا السّلطة القاهرة بأسلحة من طباعها.