المجلس الثاني عشر
ممّا جاء في كرم الحسين (ع) ، عن الحسن البصري : إنّ الحسين (ع) ذهب ذات يوم مع أصحابه إلى بستانه ـ وكان في ذلك البستان غلام للحسين (ع) اسمه صافي ـ فلمّا قرُب من البستان ، رأى الغلام قاعداً يأكل الخبز ، فجلس الحسين (ع) عند بعض النّخل بحيث لا يراه الغلام ، فنظر إليه الحسين (ع) وهو يرفع الرغيف فيرمي نصفه إلى الكلب ويأكل نصفه ، فتعجّب الحسين (ع) من فعل الغلام ، فلمّا فرغ من الأكل قال : الحمد لله ربّ العالمين ، اللهمَّ ، اغفر لي واغفر لسيّدي كما باركت لأبويه برحمتك يا أرحم الراحمين. فقام الحسين (ع) وقال : «يا صافي». فقام الغلام فزعاً وقال : يا سيّدي وسيّد المؤمنين إلى يوم القيامة ، إنّي ما رأيتك ، فاعف عنّي. فقال الحسين (ع) : «اجعلني في حلّ يا صافي ؛ لأنّي دخلت بستانك بغير إذنك». فقال صافي : بفضلك يا سيّدي وكرمك وسؤددك تقول هذا! فقال الحسين (ع) : «إنّي رأيتك ترمي نصف الرغيف إلى الكلب وتأكل نصفه ، فما معنى ذلك؟». فقال الغلام : إنّ هذا الكلب نظر إليّ وأنا كلّ فاستحييت منه ، وهو كلبك يحرس بستانك وأنا عبدك ، نأكل رزقك معاً. فبكى الحسين (ع) وقال : «إنْ كان كذلك ، فأنت عتيق لله تعالى ، ووهبت لك ألفَي دينار». فقال الغلام : إنْ أعتقتني فأنا اُريد القيام ببستانك. فقال الحسين (ع) : «إنّ الكريم ينبغي له أنْ يصدّق قوله بالفعل. أوما قلت لك اجعلني في حلّ؟ فقد دخلت بستانك بغير إذنك ؛ فصدّقتُ قولي ووهبت البستان وما فيه لك ، فاجعل أصحابي الذين جاؤوا معي أضيافاً ، واكرمهم من أجلي ؛ أكرمك الله تعالى يوم القيامة ، وبارك لك في حسن خُلقك وأدبك». فقال الغلام : إنْ وهبتني بستانك ، فإنّي قد سبلته لأصحابك وشيعتك.
وأعظم جود صدر منه (ع) ؛ جوده بنفسه وأهل بيته وعياله وأطفاله في سبيل الله ؛ فداء للدين ، ومحاماة عن شريعة جدّه سيّد المرسلين (ص) حتّى أصبحوا ما بين قتيل