المجلس الخامس والأربعون بعد المئة
روى نصر بن مزاحم في كتاب صفّين : عن عبد الرحمن بن عوف الأحمر ، قال : لمّا قدمنا على معاوية وأهل الشام بـ (صفّين) ، وجدناهم قد نزلوا منزلاً اختاروه بساطاً واسعاً ، وأخذوا الشريعة فهي في أيديهم ، وقد صفّ أبو الأعور عليها الخيل والرجّالة ، وقد أجمعوا أنْ يمنعونا الماء. ففزعنا إلى أمير المؤمنين (ع) فأخبرناه بذلك ، فدعا صعصعة بن صوحان ، فقال : «ائت معاوية ، فقل إنّا سرنا مسيرنا هذا ، وأنا أكره قتالكم قبل الإعذار إليكم ، وإنّك قد قدمت بخيلك فقاتلتنا قبل أنْ نقاتلك ، وبدأتنا بالقتال ونحن من رأينا الكفّ حتّى ندعوك ونحتّج عليك ، وهذه اُخرى قد فعلتموها ؛ حلتم بين النّاس وبين الماء ، فخلِّ بينهم وبينه حتّى تنظر فيما قدمنا له ، وإنْ كان أحبّ إليك أنْ ندع ما جئنا له ، وندع النّاس يقتتلون على الماء حتّى يكون الغالب هو الشارب فعلنا». فقال معاوية لأصحابه : ما ترَون؟ قال الوليد بن عقبة : امنعهم الماء كما منعوه ابن عفّان ، اقتلهم عطشاً قتلهم الله. قال عمرو بن العاص : خلِّ بين القوم وبين الماء ؛ فإنّهم لن يعطشوا وأنت ريّان ، ولكن لغير الماء فانظر. فأعاد الوليد مقالته وقال لعبد الله بن أبي سرح : امنعهم الماء إلى الليل ؛ فإنّهم إنْ لمْ يقدروا عليه رجعوا وكان رجوعهم هزيمتهم ، امنعهم الماء منعهم الله إيّاه يوم القيامة. فقال صعصعة : إنّما يمنعه اللهُ يوم القيامة الكفرةَ الفجرة شَرَبة الخمر مثلك ومثل هذا الفاسق ـ يعني : الوليد بن عقبة ـ. فوثبوا إليه يشتمونه ويتهدّدون. فقال معاوية : كفّوا عن الرجل ؛ فإنّه رسول. فقال صعصة لمعاوية : ما تردّ عليّ؟ قال : سيأتيكم رأيي. قال الراوي : فوالله ، ما راعنا إلاّ تسوية الرجال والخيل والصفوف ، وأرسل إلى أبي الأعور امنعهم الماء. فقام رجل من أهل الشام من همدان إلى معاوية ، وكان ناسكاً ، فقال : سبحان الله! إنْ سبقتم القوم إلى الفرات تمنعوهم عنه ، أما والله ، لو سبقوكم إليه لسقوكم منه ، أما تعلمون أنّ فيهم العبد والأجير والضعيف؟! هذا والله ، أوّل الجور. فأغلظ له معاوية ، فسار الهمداني في سواد