الليل فلحق بعلي (ع). ومكث علي (ع) يوماً وليلة بغير ماء ، فخرج نحو رايات مذحج وإذا رجل ينادي في سواد الليل :
أيَمنَعُنا القومُ ماءَ الفُراتْ |
|
وفينا الرِّماحُ وفينا الحَجَفْ |
وفينا عليٌّ له سَورةٌ |
|
إذا خوَّفوهُ الرَّدى لمْ يَخَفْ |
فنحنُ الذينَ غَداةَ الزّبير |
|
وطلحةَ خضْنا غمارَ التَّلفْ |
فما بالُنا أمسُ اُسدُ العرينْ |
|
وما بالُنا اليومَ شاءُ النَّجفْ |
وجاء الأشعث إلى أمير المؤمنين (ع) فقال : يا أمير المؤمنين ، أيمنعنا القوم ماء الفرات وأنت فينا ومعنا السّيوف؟ خلِّ عنّا وعن القوم ، فوالله ، لا نرجع حتّى نردّه أو نموت. فقال (ع) : «ذلك إليك». فنادى الأشعث : مَن كان يريد الماء أو الموت فميعاده الصبح. فأتاه اثنا عشر ألفا ً ، فلمّا أصبح حمل هو والأشتر ، وجعل الأشتر يُلقي رمحه ويقول : بأبي أنتم واُمّي! تقدّموا قاب رمحي هذا. فلم يزل كذلك حتّى خالط القوم ، وبعث إلى الأشعث : أنْ أقحم الخيل. فأقحمها حتّى وضعت سنابكها في الفرات ، وأخذت أهل الشام السّيوف فولّوا مدبرين. وقال معاوية لعمرو : ما ظنّك بعلي؟ قال : ظنّي به أنّه لا يستحلّ منك ما استحلّك منه ، وإنّ الذي جاء لَغير الماء. فقال أهل العراق : والله ، لا نُسقيهم. فأرسل إليهم علي (ع) : «خذوا من الماء حاجتكم ، وخلّوا بينهم وبين الماء ؛ فإنّ الله قد نصركم ببغيهم وظلمهم». وعلى هذه السُنّة جرى ابن زياد وأصحابه ـ أتباع يزيد بن معاوية ـ يوم كربلاء ، فكما منع معاوية وأتباعه أمير المؤمنين (ع) وأصحابه يوم صفّين ماء الفرات ، منع الحسين (ع) وأصحابه ماء الفرات يوم كربلاء ، وكتب ابن زياد إلى ابن سعد : أنْ حِل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، فلا يذوقوا منه قطرة كما صُنع بالتقيِّ الزكيِّ عثمان. فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجّاج في خمسمئة فارس ، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين (ع) وأصحابه وبين الماء ، ومنعوهم أن يستقوا منه قطرة ، وذلك قبل قتل الحسين (ع) بثلاثة أيام. لكنّ منع علي (ع) وأصحابه الماء يوم صفّين انتهى بانتصار أميرالمؤمنين (ع) واستيلائهم على الشريعة ؛ ومنع الحسين (ع) الماء يوم كربلاء انتهى بقتل الحسين (ع) عطشان ظاميا ً ، وقُتل أهل بيته وأصحابه ، وسبي نسائه وذراريه :
منعوهُمُ ماءَ الفُراتِ ودونَهُ |
|
بسيوفِهمْ دمُهمْ يُطلُّ مُحلّلا |