المجلس الثامن والأربعون بعد المئة
لمّا كان يوم صفّين خرج رجل من أهل الشام يسأل المبارزة ، فخرج إليه رجل من أهل العراق ، فاقتتلا بين الصفّين قتالاً شديداً ، ثمّ إنّ العراقي اعتنق الشامي فوقعا جميعاً تحت قوائم فرسيهما ، فجلس العراقي على صدره وكشف المغفر عنه يريد ذبحه ، فلمّا رآه عرفه فاذا هو أخوه. فصاح به أصحاب علي (ع) : أجهز على الرجل. فقال : إنّه أخي. قالوا : فاتركه. فقال : حتّى يأذن لي أمير المؤمنين (ع). فاُخبر علي (ع) بذلك ، فأرسل إليه : «دعْهُ». فتركه. وكان لمعاوية مولىً يُقال له : حريث ، وكان فارس معاوية الذي يعدّه لكلّ مبارز ولكلّ عظيم. وكان حريث يلبس سلاح معاوية متشبّهاً به ، فإذا قاتل قال النّاس : ذاك معاوية. وإنّ معاوية دعاه وقال له : يا حريث ، اتّقِ عليّاً وضع رمحك حيث شئت. فأتاه عمرو بن العاص ، فقال : يا حريث ، لو كنت قرشيّاً لأحبَّ معاوية أنْ تقتل عليّاً ، ولكن كره أنْ يكون لك حظَّها ، فإنْ رأيت فرصة لعلي فأقحم عليه وقاتله. قال : وخرج أمير المؤمنين (ع) أمام الخيل ، فحمل عليه حريث مولى معاوية ، وكان شديداً ذا بأس ، ونادى : يا علي ، هل لك في المبارزة؟ فأقدم أبا حسن إذا شئت. فأقبل أمير المؤمنين (ع) ، وهو يقول :
أنا عليٌّ وابنُ عبدِ المُطَّلبْ |
|
نحنُ لَعمرُ اللهِ أولى بالكُتُبْ |
منّا النّبيُّ المُصطفَى غيرُ كذبْ |
|
أهلُ اللواءِ والمقامِ والحُجُبْ |
يا أيُّها العبدُ الغريبُ المُنتدِبْ |
|
يا أيُّها العبدُ الغريبُ المُنتدِبْ |
ثم ضربه علي (ع) فقتله ، فجزع عليه معاوية جزعاً شديداً ، وعاتب عمرو بن العاص في ذلك ، ثمّ أنشأ معاوية يقول :
حُريثُ ألَمْ تعلمْ وجهلُك ضائرُ |
|
بأنّ عليّاً للفوارسِ قاهرُ |