المجلس التاسع والأربعون بعد المئة
لمّا كان يوم صفّين قام علي (ع) بين الصفّين ، ونادى : «يا معاوية» ، يكررها. فقال معاوية : اسألوه ما شأنه؟ قال (ع) : «أحبّ أن يظهر لي فاُكلّمه كلمة واحدة». فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص ، فلمْ يلتفت إلى عمرو. وقال (ع) لمعاوية : «ويحك! علامَ يُقتتل النّاس بيني وبينك؟! ابرز إليّ فأيُّنا قتل صاحبه فالأمر له». فالتفت معاوية إلى عمرو ، فقال : ما ترى يا أبا عبد الله ، اُبارزه؟ فقال عمرو : لقد أنصفك الرجل ، واعلم أنّك إنْ نكلت عنه لمْ تزل سُبّة عليك وعلى عقبك ما بقي عربي. فقال معاوية : يا عمرو ، ليس مثلي يُخدع عن نفسه ، والله ، ما بارز ابن أبي طالب رجلاً قطّ إلاّ سقى الأرض من دمه. ثمّ انصرفا راجعين حتّى انتهيا إلى آخر الصفوف ، وحقَدها معاوية على عمرو ، وقال : ما أظنّك إلاّ مازحاً! فلمّا جلس معاوية مجلسه دخل عليه عمرو ، فقال معاوية :
يا عمروُ إنّكَ قدْ قشرتَ ليَ العَصا |
|
برضاكَ في وسَطِ العجاجِ بِرازي |
ولقدْ أعدْتَ فقُلتُ مَزْحَةُ مازحٍ |
|
والمَزْحُ يحملُهُ مقالُ الهازي |
فإذا الذي منَّتكَ نفسُكَ خالياً |
|
قتلِي جزاكَ بما نويتَ الجازي |
فقال له عمرو : أتجبن عن خصمك وتتهم نصيحك؟ وقال مجيباً له :
معاويَ إنْ نكلتَ عن البِرازِ |
|
لك الويلاتُ فانظُرْ في المخازي |
وما ذنبي بإنْ نادَى عليٌّ |
|
وكبشُ القومِ يُدعَى للبِرازِ |
فلَو بارزْتهُ بارزتَ ليثاً |
|
حديدَ النَّابِ ينفذُ كلَّ بازِ |
وتزْعمُ أنّني أضمرتُ غِشاً |
|
جزاني بالذي أضمرتُ جازِ |
وبرز عمرو بن العاص في بعض أيام صفّين ، فاعترضه علي (ع) ثمّ طعنه