المجلس الحادي والخمسون بعد المئة
من مواقف أمير المؤمنين (ع) في وقعة صفّين ، ما كان يوم الهرير. قال بعض الرواة : فوالذي بعث محمّداً بالحقِّ نبيّاً ، ما سمعنا برئيس قوم ، منذ خلق الله السّماوات والأرض ، أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب علي (ع) ؛ إنّه قتل ـ فيما ذكر العادّون ـ زيادةً على خمسمئة من أعلام العرب ، يخرج بسيفه منحنياً ، فيقول : «معذرة إلى الله وإليكم من هذا ، لقد هممت أنْ أفلقه ولكن يحجزني عنه أنّي سمعت رسول الله (ص) ، يقول : لا سيف إلاّ ذو الفقار ، ولا فَتَى إلاّ علي. وأنا اُقاتل دونه». قال : فكنّا نأخذه فنقوّمه ، ثمّ يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصفّ ، فلا والله ، ما ليثٌ بأشد نكاية منه في عدوه ، وكان في أوائل أيام صفّين يسهر الليل كلَّه إلى الصباح يُعبئ الكتائب ، ويأمر الاُمراء ، ويعقد الألوية. ومرّ في اليوم السّابع ، ومعه بنوه ، نحو الميسرة والنّبل يمرّ بين عاتقيه ومنكبيه ، وما من بنيه إلاّ مَن يقيه بنفسه ، فيكره علي (ع) ذلك ، ويتقدّم نحو أهل الشام ويؤخر الذي يقيه إلى ورائه. وجاء أحمر مولى بني اُميّة يوم صفّين ، وقال لأمير المؤمنين (ع) : قتلني الله إنْ لمْ أقتلك. فخرج إليه كيسان مولى علي (ع) فقتله أحمرُ ، وأراد أن يضرب أمير المؤمنين (ع) بالسّيف ، فانتهزه أمير المؤمنين (ع) ووضع يده في جيب درع أحمر ، فجذبه عن فرسه وحمله على عاتقه. قال الراوي : فوالله ، لكأنّي أنظر إلى رجلي أحمر تختلفان على عنق علي (ع) ، ثمّ ضرب به الأرض فكسر منكبيه وعضديه ، وشدّ الحسين ومحمد بن الحنفيّة عليهماالسلام فضرباه بأسيافهما حتّى برد ، وبقي الحسن (ع) واقفاً مع أبيه ، فقال (ع) له : «ما منعك أن تفعل كما فعل أخواك؟». قال : «كفياني يا أمير المؤمنين». ثمّ دنا أهل الشام من أمير المؤمنين (ع) يريدونه. قال الراوي : فوالله ، ما يزيده قربهم منه ودنوهم إليه سرعة في مشيه. فطلب منه الحسن (ع) أن يسرع في مشيه ليلحق بربيعة ، فقال له : «يا بني ، إنّ لأبيك يوماً لنْ يعدوه ، ولا يُبطئ به عنه السَّعي ، ولا يُقرِّبه