المجلس الثاني والخمسون بعد المئة
لمّا كان يوم صفّين جاء علي أمير المؤمنين (ع) ، ومعه بنوه نحو رايات ربيعة ، فنادى (ع) بأعلى صوته : «لمَنْ هذه الرّايات؟». قالوا : هذه رايات ربيعة. فقال (ع) : «بل هي رايات الله ، عصم الله أهلَها ، وصبَّرهمْ وثبَّت أقدامهمْ». ثمّ قال (ع) للحضين بن المنذر : «يا فتى ، ألا تدني رايتك هذه ذراعاً؟». فقال له : نعم والله ، وعشرة أذرع. فأقبل بها حتّى أدناها ، فقال له : «حسبُك مكانك». وقال الحضين بن المنذر : أعطاني علي الراية ، وقال : «سِرْ على اسم الله يا حضين ، واعلم أنّه لا يخفق على رأسك راية مثلها أبداً ؛ لأنّها راية رسول الله (ص)». وزحف الحضين بن المنذر برايته ، وكانت حمراء ، فأعجب عليّاً زحفُه وثباته ، فأنشأ (ع) يقول :
لمَنْ رايةٌ حمراءُ يخْفقُ ظلُّها |
|
إذا قِيل قدِّمهَا حُضينُ تَقدَّما |
ويدنُو بها في الصَّفِّ حتّى يَديرها |
|
حِمامُ المنايا تَقطُر الموتَ والدَّما |
تراهُ إذا مَا كان يومُ عظيمةٍ |
|
أبى فيهِ إلاّ عِزَّةً وتكرُّما |
جزى اللهُ قوماً صابَرُوا في لقائِهمْ |
|
لَدَى البأسِ حُرّاً ما أعفّ وأكرَما |
وأحزمَ صبْراً حِينَ تُدعَى إلى الوغَى |
|
إذا كانَ أصواتُ الكُماةِ تغمْغُما |
ربيعةَ أعني إنّهُمْ أهلُ نجدةٍ |
|
وبأسٍ إذا لاقَوا خميساً عرَمْرما |
فلمّا أصبحوا في اليوم العاشر ، أصبحوا وربيعة محدقة بعلي (ع) ، إحداق بياض العين بسوادها. قال عتاب بن لقيط : إنْ اُصيب علي فيكم افتضحتم ؛ وقد لجأ إلى راياتكم. وقال لهم شقيق بن ثور : يا معشر ربيعة ، ليس لكم عذر في العرب إن اُصيب علي فيكم ومنكم رجل حيّ ، فقاتلوا قتالاً شديداً. وقام خالد بن المعمّر السَّدوسي ، فنادى : مَن يُبايع على الموت ويشري نفسه لله؟ فبايعه سبعة آلاف على أنْ لا ينظر رجل منهم خلفه حتّى يردوا سرادق معاوية. فاقتتلوا قتالاً شديداً ، وقد كسروا جفون سيوفهم