المجلس الثالث والخمسون بعد المئة
كان عبد الله بن بُديل الخزاعي مع علي (ع) يوم صفّين ، وعليه سيفان ودرعان ، وجعل يضرب النّاس بسيفه قُدُماً (١) وهو يقول :
لمْ يبقَ غيرُ الصَّبرِ والتَّوكُّلِ |
|
والتِّرسِ والرُّمحِ وسيفٍ مِصقَلِ |
ثُمّ التَّمشِّي في الرَّعيلِ الأوَّلِ |
|
مَشِي الجمالِ في حِياضِ المنْهَلِ |
فلمْ يزل يضرب بسيفه حتّى انتهى إلى معاوية ، فأزاله عن موقفه ، ومع معاوية عبد الله بن عامر واقفاً ، فأقبل أصحاب معاوية على عبد الله بن بديل يرضخونه بالصخر حتّى أثخنوه وقتلوه ، وأقبل إليه معاوية وعبد الله بن عامر ؛ فأمّا عبد الله بن عامر فألقى عمامته على وجهه وترحّم عليه ، وكان له أخاً وصديقاً. فقال له معاوية : اكشف عن وجهه. فقال عبد الله : والله ، لا يُمثّل به وفيّ الروح. فقال له معاوية : اكشف عن وجهه ، فقد وهبته لك. فكشف عن وجهه ، فقال معاوية : هذا كبش القوم وربّ الكعبة. اللهمّ ، ظفّرني بالأشتر النّخعي والأشعث الكندي ، والله ، ما مثل هذا إلاّ كما قال الشاعر :
أخو الحربِ إنْ عضَّتْ بهِ الحرْبُ عَضَّها |
|
وإنْ شمٍرتْ عنْ ساقِها الحربُ شمَّرا |
ويحْمِي إذا ما الموتُ كان لقَاؤهُ |
|
لدى الشرِّ يحْمِي الأنْفَ أنْ يتأخَّرا |
كليثِ هِزْبرٍ كانَ يحْمِي ذِمارَهُ |
|
رَمتْهُ المنايَا فصدَّها فتَقطَّرا |
مع أنّ نساء خُزاعة لو قدرت على أن تقاتلني ـ فضلاً عن رجالها ـ فعلت. أمَا كان يوم كربلاء رجل مثل عبد الله بن عامر ، فيضع عمامته على وجه الحسين (ع)
_______________________
(١) قُدُماً ، بضمتين : المضي أمام أمام. كذا في القاموس. ـ المؤلّف ـ