المجلس الخامس والخمسون بعد المئة
روى نصر بن مزاحم في كتاب صفّين ، عن عمّار بن ربيعة قال : صلّى علي (ع) بالنّاس صلاةَ الغَداة بصفّين ، ثمّ زحف إلى أهل الشام ، وكانت الحرب أكلت الفريقين ، ولكنّها في أهل الشام أشدّ نكايةً وأعظم وقعاً ، فقد ملّوا الحرب وكرهوا القتال ، وتضعضعت أركانهم. فخرج من أهل العراق رجل على فرس كميت ذَنوب ، عليه السّلاح ، لا يرى منه إلاّ عيناه ، وبيده الرمح ، فجعل يضرب رؤوس أصحاب علي بالقناة ويقول : سوّوا صفوفكم. حتّى إذا عدّل الصفوف والرايات ، استقبلهم بوجهه وولّى أهل الشام ظهره ، ثمّ حمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : الحمد لله الذي جعل فيكم ابن عم نبيّكم ، أقدمهم هجرة وأوّلهم إسلاماً ، سيفٌ من سيوف الله صبّه على أعدائه. فانظروا إليّ : إذا حمي الوطيس ، وثار القتام ، وتكسّر المرّان ، وجالت الخيل بالأبطال ، فلا أسمع إلاّ غمغمة أو همهمة ، [فاتبعوني وكوني في إثري]. ثمّ حمل على أهل الشام وكسر فيهم رمحه ثمّ رجع ، فإذا هو الأشتر. وزحف النّاس بعضهم إلى بعض ، فارتموا بالنّبل حتّى فنيت ، ثمّ تطاعنوا بالرماح حتّى كُسرت واندقّت ، ثمّ مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسّيوف وعمد الحديد ، فلم يسمع السّامع إلاّ وقع الحديد على الحديد. قال : وانكسفت الشمس ، وثار القتام ، وضلّت الألوية والرايات ، والأشتر يسير فيما بين الميمنة والميسرة ، فيأمر كلّ قبيلة أو كتيبة من القرّاء بالإقدام على التي تليها. قال : فاجتلدوا بالسّيوف وعمد الحديد من صلاة الغداة إلى نصف الليل ، لمْ يُصلّوا لله صلاة ، فلمْ يزل يفعل ذلك الأشتر بالنّاس ، وافترقوا على سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم وتلك الليلة ، وهي ليلة الهرير. وقُتل يوم صفّين عبد الله بن كعب ، فمرّ به الأسود بن قيس بآخر رمق ، فقال : عزّ والله ، عليَّ مصرعك. أما والله ، لو شهدتك لآسيتك ولدافعت عنك ، ولو أعرف الذي صرعك ، لأحببت أن لا يزايلني حتّى يُلحقني بك. ثمّ نزل إليه ، فقال : والله ، إنْ كان جارك ليأمن بواثقك ، وإنْ كنت من الذاكرين الله كثيراً ، أوصني رحمك الله. قال : اُوصيك بتقوى الله ، وأن تناصح