المجلس السّادس والخمسون بعد المئة
عن ابن عبّاس ، قال : عقمُت النّساء أنْ يأتين بمثل علي بن أبي طالب (ع)! فوالله ، ما كشفت ذيولهنّ عن مثله ، وقد شهدته يوم صفّين وعلى رأسه عمامة سوداء ، وعيناه كأنّهما سراجاً سليطاً يتوقّدان من تحتها ، وهو يقف على كلّ شِرْذِمة يحرّضهم على الحرب ، إذْ طلعت علينا خيل لمعاوية ، وهي عشرة آلاف دارع على عشرة آلاف أشهب ، فاقشعرّ النّاس لمّا رآوها ، وانحاز بعضهم إلى بعض. قال أمير المؤمنين (ع) : «فيمَ الهلعُ والنَّخعُ يا أهل العراق! هل هي إلاّ أشخاصٌ ماثلة فيها قلوبٌ طائرة ، لو مسّتها سيوف أهل الحقِّ لتهافتت تهافت الفراش في النّار ، سفّتها الريح في يوم عاصف ، فادَّرعوا الصَّبر وغُضّوا الأصوات ، وقلقلوا الأسياف في الأغماد ، وصلوا السّيوف بالخُطا ، والرماح بالنّبال ؛ فإنّكم بعين الله ومع أخي رسول الله (ص). وعليكم بهذا السّرادق الأدلم ، والرواق المُظلم ، فاضربوا ثبجه ؛ فإنّ الشيطان راقد في كسره ، نافج حضنيه ، مفترش ذراعيه ، قد قدّم للوثبة يداً ، وأخَّر للنكوص رجلاً. ألا إنّ خِضاب النّساء الحَنّاء ، وخضاب الرجال الدماء ، فصمداً صمداً حتّى ينجلي لكم عمود الحقِّ وأنتم الأعلَون ، فشِدّوا على اسم الله تعالى». ثمّ حمل (ع) وتبعته خويلة لم تبلغ المئة فارس ، وهو (ع) يقول :
دبُّوا دَبيْبَ النَّملِ لا تفُوتُوا |
|
وأصبِحُوا بحربِكُمْ وبيتُوا |
حتّى تنالُوا الثأرَ أو تَموتُوا |
|
أو لا فإنّي طالما عُصِيت |
قال : فأجالها أبو الحسن جَوَلان الرّحا ، فارتفعت عجاجة منعتني النّظر ، فلم أرَ إلاّ رأساً نادراً ويداً طائحة ، فما كان أسرع من أنْ ولّى أهل الشام مدبرين : كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ وإذا بأمير المؤمنين (ع) يمسح العلق عن ذراعيه ، وسيفه ينطف دماً ، ووجهه كشقة القمر الطالع ، وهو يقول : «فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ