المجلس السّابع والخمسون بعد المئة
كان عمّار بن ياسر رضوان الله عليه من السّابقين الأوّلين ، هاجر الهجرتين إلى الحبشة والمدينة ، وصلّى إلى القبلتين ، وشهد بدراً واليمامة وأبلى فيهما بلاءً حسناً. وكان هو واُمّه ممّن يُعذَّب في الله ، فأعطاهم عمّار ما أرادوا بلسانه ، فنزل فيه : (إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنّ بِالإِيمَانِ) وقال رسول الله (ص) ـ كما رواه ابن حجر في الإصابة ـ : «مَن عادى عمّاراً عاداه الله ، ومَن أبغض عمّاراً أبغضه الله». قال : وتواترت الأحاديث عن النّبي (ص) : «إنّ عمّاراً تقتله الفئة الباغية». وأجمعوا على أنّه قُتل مع علي (ع) بصفّين. وفي الإستيعاب : هذا من إخباره (ص) بالغيب وإعلام نبوّته ، وهو من أصحّ الأحاديث. وقال رسول الله (ص) : «إنّ عمّاراً مُلئَ إيماناً إلى مشاشه (١)». ويُروى : «إلى أخمص قدميه». وقال (ص) : «عمّارٌ جلدةٌ ما بين عيني». ورآه النّبي (ص) يوم بناء المسجد يحمل لبنتين لبنتين ، وغيره لبنة لبنة ، فجعل ينفض التراب عنه ، ويقول : «ويح عمّار! يدعوهم إلى الجنّة ، ويدعونه إلى النّار». وقيل لحذيفة حين احتضر ـ وقد ذكر الفتنة ـ : إذا اختلف النّاس بمَن تأمرنا؟ قال : عليكم بابن سُميّة ـ يعني : عمّاراً ـ ؛ فإنّه لنْ يفارق الحقّ حتّى يموت. وروى نصر بن مزاحم : أنّه لمّا كانت وقعة صفّين ، ونظر عمّار إلى راية عمرو بن العاص ، قال : والله ، هذه الراية قد قاتلتها ثلاث عركات ، وما هذه بأرشدهن. ولمّا كان يوم صفّين خرج عمّار إلى أمير المؤمنين (ع) ، فقال : يا أخا رسول الله ، أتأذن لي في القتال؟ فقال (ع) : «مهلاً ، رحمك الله». فلمّا كان بعد ساعة ، أعاد عليه الكلام ، فأجابه بمثله ، فأعاده ثالثاً ، فبكى أمير المؤمنين (ع) ، فنظر إليه عمّار ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّه اليوم الذي وصفه لي رسول الله (ص)؟ فنزل أمير المؤمنين (ع)
_________________
(١) المشاش ، جمع مشاشة : وهي رأس العظم الممكن المضغ. ـ المؤلّف ـ