المجلس التاسع والخمسون بعد المئة
لمّا كان يوم صفّين ، وقُتل هاشم بن عتبة المرقال ، وكانت معه راية أمير المؤمنين (ع) ، أخذ الراية ولده عبد الله بن هاشم ، وجعل يقول :
أهاشمُ بنَ عُتبَةِ بنِ مالِكْ |
|
أعززْ بشيخٍ منْ قُريشٍ هالِكْ |
تَخبطُهُ الخيْلاتُ بالسَّنابِكْ |
|
في أسْوَدٍ منْ نقْعهِنَّ حالِكْ |
أبشرْ بحورِ العِينِ في الأرائِكْ |
|
والرَّوحِ والرَّيحانِ عندَ ذلكْ |
ثمّ إنّ عبد الله حمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيها النّاس ، إنّ هاشماً كان عبداً من عباد الله الذين قدّر أرزاقهم ، وأحصى أعمالهم ، وقضى آجالهم ، فدعاه الله ربّه الذي لا يُعصى ، فأجابه وسلّم لأمر الله ، وجاهد في طاعة ابن عمِّ رسول الله ، وأوّل مَن آمن به ، وأفقههم في دين الله ، المخالف لأعداء الله المستحلّين ما حرّم الله ، الذين عملوا في البلاد بالجور والفساد ، واستحوذ عليهم الشيطان فزيّن لهم الإثم والعدوان ، فحقّ عليكم جهاد مَن خالف سُنّة رسول الله (ص) ، وعطّل حدود الله ، وخالف أولياء الله. فجُودوا بمُهج أنفسكم في طاعة الله في هذه الدنيا ؛ تُصيبوا الآخرة والمنزل الأعلى والمُلك الذي لا يبلى ، فلو لم يكن ثوابٌ ولا عقاب ، ولا جنّةٌ ولا نار ، لكان القتال مع عليٍّ أفضل من القتال مع معاوية ابن آكلة الأكباد ، فكيف وأنتم ترجون ما ترجون؟! فلمّا انقضى أمر صفّين ، وسلّم الحسن (ع) الأمر لمعاوية ، نادى منادي معاوية : أمِنَ الأسود والأحمر بأمان الله ، إلاّ عبد الله بن هاشم. فاختفى عبد الله عند امرأة بالبصرة من بني مخزوم ، فدُلّ عليه معاوية ، فبعث إلى زياد : أنْ ائتِ دار فلانة المخزوميّة ، فاستخرج عبد الله بن هاشم المرقال منها ، فاحلق رأسه ، والبسه جُبّة شعر ، وقيّده وغلّ يده إلى عنقه ، وأحمله على قتب بعيرٍ بغير وطاء ولا غطاء ، وأنفذ به إليّ. ففعل به زياد ذلك وأنفذه إلى معاوية ، فوصل إليه وقد لاقى تعباً كثيراً ، وغيّرت الشمس وجهه ، فعرفه