المجلس الستّون بعد المئة
لمّا كان يوم صفّين ، نادى أبو شجاع الحِميري ، وكان من ذوي البصائر ، وكان مع علي (ع) ، فقال : يا معشر حِمْيَر ، أترون معاوية خيراً من علي؟! أضلّ الله سعيكم. ثمّ أنت يا ذا الكلاع ، فوالله ، إنْ كنّا نرى أنّ لك نيّة في الدين. فقال ذو الكلاع : إيهاً يا أبا شجاع ، والله ، ما معاوية بأفضل من علي ، ولكن إنّما اُقاتل على دم عثمان. وعُبّئت قبائل حمير مع ذي الكلاع ، وفيهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، لتقاتل قبيلة بكر بن وائل من قبائل ربيعة ، وكانت مع علي (ع) ، فقاتلوا قتالاً شديداً حتّى خافوا الهلاك ، فقال رجل لعبد القيس : لا بكر بعد اليوم ؛ إنّ ذا الكلاع وعبيد الله أبادا ربيعة! فانهضوا لهم وإلاّ هلكوا. فركبت عبد القيس وجاءت كأنها غمامة سوداء ، فشدّت إزاء الميسرة ، فعظم القتال ، وقُتل ذو الكلاع الحميري ، قتله رجل من بكر بن وائل ، اسمه خندف. وتضعضعت أركان حمير ، وثبتت بعد ذي الكلاع تحارب مع عبيد الله بن عمر ، وبعث عبيد الله بن عمر إلى الحسن بن علي عليهماالسلام ، فقال : إنّ لي إليك حاجة فالقني. فلقيه الحسن (ع) ، فقال له عبيد الله : إنّ أباك قد وتر قريشاً أوّلاً وآخراً ، وقد أبغضوه ، فهل لك إلى أنْ تخلعه ونولّيك هذا الأمر؟ قال : «كلاّ والله ، لا يكون ذلك». ثمّ قال له الحسن (ع) «لكأنّي أنظر إليك مقتولاً في يومك أو غدك ، أما إنّ الشيطانَ قد زيّن لك ، وخدعك حتّى أخرجك مخلَّقاً بالخلوق ، تُري نساء أهل الشام موقفك ، وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلاً». قال : فوالله ، ما كان إلاّ كيوم أو كالغد ، وكان القتال ، فخرج عبيد الله في كتيبة رقطاء ، وهي الخُضريّة ، كانوا أربعة آلاف عليهم ثياب خضر ، إذ مرّ الحسن (ع) فإذا هو برجل متوسّد رجلاً قتيلاً ، قد ركز رمحه في عينه ، وربط فرسه برجله ، فقال الحسن (ع) لمَن معه : «انظروا مَن هذا؟». فإذا هو برجل من همدان ، فإذا القتيل عبيد الله ، قد قتله وبات عليه حتّى أصبح ، ثمّ سلبه. وكان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص