المجلس الثالث والستّون بعد المئة
في العقد الفريد وغيره ، عن الشعبي ، قال : وفدت سودة بنت عُمارة بن الأشتر الهمدانيّة على معاوية بن أبي سفيان ، فاستأذنت عليه فأذن لها ، فلمّا دخلت عليه سلّمت ، فقال لها : كيف أنت يابنة الأشتر؟ قالت : بخير يا أمير المؤمنين. قال لها : أنت القائلة لأخيك :
شَمِّر كفعلِ أبيكَ يابنَ عُمارةٍ |
|
يومَ الطَّعانِ ومُلتقَى الأقرانِ |
وانصُر عليّاً والحُسينَ ورهطَهُ |
|
واقْصُدْ لهندٍ وابنِها بهوانِ |
إنّ الإمامَ أخا النّبيِّ محمّدٍ |
|
عَلمُ الهُدى ومنارةُ الإيمانِ |
فَقُدِ الجيوشَ وسُرْ أمامَ لوائِهِ |
|
قُدُماً بأبيضَ صارمٍ وسنانِ |
قالت : مات الرأس ، وبُتر الذنب ، فدَعْ عنك تذكار ما قد نسي. قال : هيهات! ليس مثل مقام أخيك يُنسى. قالت : صدقت والله ، ما كان أخي خفي المقام ، ذليل المكان ، ولكن كما قالت الخنساء
وإنّ صَخْراً لتأتمُّ الهُداةُ بهِ |
|
كأنّهُ عَلمٌ في رأسهِ نارُ |
وبالله أسأل اعفائي ممّا استعفيته. قال : قد فعلت ، فقولي حاجتك. قالت : إنّ الله سائلك عمّا افترض عليك من حقّنا ، ولا تزال تُقدّم علينا مَن ينهض بعزّك ، ويبسط بسلطانك ، فيحصدنا حصاد السُّنبل ويدوسنا دياس البقر ، ويسومنا الخسيسة ويسألنا الجليلة ؛ هذا ابن أبي أرطأة قدم بلادي ، وقتل رجالي وأخذ مالي ، ولولا الطاعة ، لكان فينا عزٌّ ومنعة ، فإمّا عزلته فشكرناك ، وإمّا لا ، فعرفناك. فقال معاوية : إيّاي تهدّدين بقومك! والله ، لقد هممت أنْ أردّك إليه على قتب أشرس ، فينفذ حكمه فيك. فسكتت ، ثمّ قالت :
صلَّى الإلهُ على روحٍ تضمَّنهُ |
|
قبرٌ فأصبحَ فيه العدلُ مدْفُونا |