المجلس الرابع والستّون بعد المئة
في العقد الفريد : عن الشعبي ، قال : استأذنت بكارة الهلاليّة على معاوية ابن أبي سفيان ، فأذن لها ، وهو يومئذ بالمدينة ، فدخلت عليه ، وكانت امرأة قد أسنّت ، وغشي بصرها وضعفت قوّتها ، ترعش بين خادمين لها ، فسلّمت وجلست ، فردّ عليها معاوية السّلام ، وقال : كيف أنت يا خالة؟ فقالت : بخير. قال : غيّرك الدهر. قالت : كذلك هو ذو غِيَر ، مَن عاش كبُر ، ومَن مات فُقد. قال عمرو بن العاص : هي والله ، القائلة :
يا زيدُ دونَكَ فاحتفِرْ منْ دارِنا |
|
سيْفاً حُساماً في التُّرابِ دَفينا |
قدْ كُنتُ أذخرُهُ ليومِ كريهةٍ |
|
فاليومَ أبرزَهُ الزَّمانُ مَصُونا |
قال مروان : وهي والله ، القائلة :
أترَى ابن هندٍ للخلافةِ مالكاً |
|
هيهاتَ ذاك وإنْ أرادَ بعيدُ |
منَّتكَ نفسُكَ في الخلاءِ ضلالةً |
|
أغراكَ عمرٌو للشقا وسَعيدُ |
قال سعيد بن العاص : هي والله ، القائلة :
قدْ كنتُ أطمعُ أنْ أموتَ ولا أرَى |
|
فوقَ المَنابرِ من اُميّةَ خاطِبا |
فالله ُ أخّرَ مُدّتي فتطاوَلَتْ حتّى |
|
رأيتُ منَ الزمانِ عجائِبا |
في كلِّ يومٍ لا يزالُ خطيبُهُمْ |
|
بين الجميعِ لآلِ أحمدَ عائِبا |
ثمّ سكتوا ، فقالت : يا معاوية ، أنا والله ، قائلة ما قالوا ، وما خفي عليك منّي أكثر. فضحك ، وقال : ليس يمنعنا ذلك من برّك ، اذكري حاجتك. قالت : أمّا الآن ، فلا. هكذا يكون الإباء وعزّة النّفس ، هذه بكارة الهلاليّة ، بعد أنْ أجابت معاوية بما أجابته ، لم تقبل منه برّاً ولا عطاءً ؛ أنفة منها وحمية ؛ لأنّها علمت أنّه أراد بذلك اسكاتها ، ومع ذلك فقد أظهر الحلم عنها ، كما هي عادة الاُمراء في الإحسان إلى النّساء ولو كانت المرأة من