المجلس السّابع والستّون بعد المئة
في العقد الفريد : دخلت عكرشة بنت الأطرش على معاوية متوكّئة على عكّاز ، فسلّمت عليه بالخلافة ، ثمّ جلست ، فقال معاوية : الآن صرتُ عندكِ أمير المؤمنين! قالت : نعم ، إذ لا عليٌّ حيٌّ. قال : ألستِ المتقلّدة حمائل السّيوف بصفّين ، وأنت واقفة بين الصفّين تقولين : أيها النّاس ، عليكم أنفسكم ، لا يضرّكم مَن ضلَّ إذا اهتديتم. إنّ الجنّة لا يرحل مَن أوطنها ، ولا يهرم مَن سكنها ، ولا يموت مَن دخلها ، فابتاعوها بدارٍ لا يدوم نعيمُها ، ولا تنصرم همومُها ، وكونوا قوماً مستبصرين في دينهم ، مستظهرين بالصبر على طلب حقّهم. إنّ معاوية دَلف إليكم بعجم العرب ، غُلف القلوب ، لا يفقهون الإيمان ولا يدرون ما الحكمة ؛ دعاهم بالدّنيا فأجابوه ، واستدعاهم إلى الباطل فلبّوه. فالله الله عباد الله في دين الله! إيّاكم والتواكل ؛ فإنّ ذلك ينقض عُرى الإسلام ، ويُطفئ نور الحقّ. هذه بدر الصغرى ، والعقبة الاُخرى يا معشر المهاجرين والأنصار ، امضوا على بصيرتكم ، واصبروا على عزيمتكم ، فكأنّي بكم غداً وقد لقيتم أهل الشام كالحُمُر الناهقة فكأني أراكِ على عصاك هذه ، وقد انكفأ عليك العسكران يقولون : هذه عكرشة بنت الأطرش ، فإنْ كدتِ لتقتلين أهل الشام ، لولا قدّر الله ، وكان أمر الله قدَراً مقدوراً. فما حملك على ذلك؟ قالت : إنّ اللبيب إذا كره أمراً لا يُحب إعادته. قال : صدقت ، اذكري حاجتك. قالت : إنّها كانت صدقاتنا تؤخذ من أغنيائنا فتُردّ على فقرائنا ، وإنّا قد فقدنا ذلك ؛ فما يجير لنا كسير ، ولا ينعش لنا فقير ، فإنْ كان ذلك عن رأيك ، فمثلك تنبّه عن الغفلة وراجع التوبة ، وإنْ كان عن غير رأيك ، فما مثلك استعان بالخَوَنة ولا استعمل الظَّلَمة. قال : يا هذه ، إنّه ينوبنا من اُمور رعيتنا اُمور. قالت : يا سبحان الله! والله ، ما فرض الله لنا حقّاً ، فجعل فيه ضرراً على غيرنا ، وهو علاّم الغيوب. قال معاوية : يا أهل العراق ، نبّهكم علي بن أبي طالب فلم تُطاقوا. ثمّ أمر بردّ صدقاتهم فيهم ، وأنصفها وهكذا جرت عادة الملوك والحكّام ـ وإنْ كانوا من الظلمة ـ في الإحسان إلى النّساء ، وإنْ كُنّ من أعدى