المجلس الحادي والسّبعون بعد المئة
عن رجل من بني اُميّة قال : حضرت معاوية يوماً وقد أذن للناس إذناً عامّاً ، فدخلوا عليه لمطالبهم وحوائجهم ، فدخلت عليه امرأة من بني ذكوان كأنّها قلعة ، ومعها جاريتان لها ، ثمّ قالت : الحمد لله ـ يا معاوية ـ الذي خلق اللّسان فجعل فيه البيان ، ودلّ به على النِّعم ، وأجرى به القلم فيما أبرم وحتم ، وذرأ وبرأ ، وحكم وقضى ، وصرف الكلام باللّغات المختلفة على المعاني المتفرقّة ، ألّفها بالتقديم والتأخير ، والأشباه والمناكر ، والموافقة والتزايد ؛ فأدّته الآذان إلى القلوب ، وأدّته القلوب إلى الألسن بالبيان. استدلّ به على العلم ، وعُبد به الربّ ، واُبرم به الأمر ، وعُرفت به الأقدار ، وتمّت به النِّعم ، وكان من قضاء الله وقدره أنْ قرّبتَ زياد ، وجعلت له بين آل أبي سفيان نسباً ، ثمّ ولّيته أحكام العباد ؛ يسفك الدماء بغير حلّها ولا حقّها ، ويهتك الحرم بلا مراقبة الله فيها ؛ خؤون غشوم ، كافر ظلوم ، يتخيّر من المعاصي أعظمها ، ولا يرى لله وقاراً ، ولا يظنّ أنّ له معاداً ، وغداً يُعرض عمله في صحيفتك ، وتُوقف على ما اجترم بين يدي ربّك ، ولك برسول الله (ص) اُسوة ، وبينك وبينه صهر ، فلا الماضين من أئمة الهدى اتبعت ، ولا طريقتهم سلكت ؛ جعلت عبد ثقيف على رقاب اُمّة محمّد (ص) يدبر اُمورهم ، ويسفك دماءهم ، فماذا تقول لربّك يا معاوية ، وقد مضى من أجلك أكثره ، وذهب خيره وبقي وِزره؟! إنّي امرأة من بني ذكوان ، وثب زياد المُدَّعى إلى أبي سفيان على ضيعتي التي ورثتها عن أبي واُمّي ، فغصبنيها وحال بيني وبينها ، وقتل مَن نازعه فيها من رجالي ، فأتيتك مستصرخة ، فإنْ أنصفت وعدلت ، وإلاّ وكلتك أنت وزياد إلى الله عزوجل ، فلنْ تبطل ظلامتي عندك ولا عنده ، والمُنصف لي منكما حكم عدل. فبُهت معاوية ، ينظر إليها متعجباً من كلامها ، ثمّ قال : ما لزياد! لعن الله زياداً ؛ فإنّه لا يزال يبعث على مثالبه مَن ينشرها ، وعلى مساويه من يُثيرها. ثمّ أمر كاتبه بالكتاب إلى زياد ، يأمره بالخروج إليها من حقِّها ، وإلاّ صرفه مذموماً مدحوراً ، ثمّ أمر لها بعشرين ألف درهم. وعجب معاوية