المجلس الثالث والسّبعون بعد المئة
في كتاب بلاغات النّساء : إنّه لمّا قُتل علي بن أبي طالب (ع) ، بعث معاوية في طلب شيعته ، فكان في مَن طلب عمرو بن الحمق الخزاعي ، فراغ منه ، فأرسل إلى امرأته آمنة بنت الشريد ، فحبسها في سجن دمشق سنتين ، ثمّ إنّ عبد الرحمن بن الحكم ظفر بعمرو بن الحمق في بعض الجزيرة ، فقتله وبعث برأسه الى معاوية ، وهو أوّل رأس حُمل في الإسلام. قال الأعمش : أوّل رأس اُهدي من بلد إلى بلد في الإسلام ، رأس عمرو بن الحمق. فلمّا أتى معاوية الرسولُ بالرأس ، بعث به إلى آمنة في السجن ، وقال للحرَسي : احفظ ما تتكلم به حتّى تؤدّيه إليّ ، واطرح الرأس في حجرها. ففعل هذا ، فارتاعت له ساعةً ، ثمّ وضعت يدها على رأسها وقالت : نفيتموه عنّي طويلاً ، وأهديتموه إليّ قتيلا ً ، فأهلاً وسهلاً بمَن كنتُ له غير قالية ، وأنا له اليوم غير ناسية. ارجع به أيها الرسول إلى معاوية ، فقل له : أيتمَ الله وُلدك ، وأوحش منك أهلك ، ولا غفر لك ذنباً. فرجع الرسول إلى معاوية فأخبره بما قالت ، فأرسل إليها فأتته ، وعنده نفر فيهم أياس بن حسل ، وكان في شدقيه انتفاخ لعظم كان في لسانه. فقال لها معاوية : أأنت يا عدوّة الله ، صاحبة الكلام الذي بلغني؟ قالت : نعم ، غير نازعة عنه ولا معتذرة منه ولا منكرة له ، فلَعمري ، لقد اجتهدت في الدعاء إنْ نفع الإجتهاد ، وإنّ الحقّ لمِن وراء العباد ، وما بلغت شيئاً من جزائك ، وإنّ الله بالنّقمة من ورائك. فأعرض عنها معاوية ، فقال أياس : اقتل هذه يا أمير المؤمنين ، فوالله ، ما كان زوجها أحقّ بالقتل منها. فالتفتت إليه ، وقالت : تباً لك! ويلك! بين لحييك كجثمان الضفدع ، ثمّ أنت تدعوه إلى قتلي كما قتل زوجي بالأمس ، (إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) فضحك معاوية ، ثم قال : لله درّك! اخرجي ، ثمّ لا أسمع بك في شيء من الشام. قالت : وأبي ، لأخرجنّ ، ثمّ لا تسمع بي في شيء من الشام ، فما الشام لي بحبيب ، ولا أعرج فيها على حميم ، وما هي لي بوطن ، ولا أحنّ فيها إلى سكن ، ولقد عظم فيها