المجلس الرابع والسّبعون بعد المئة
قال المُرزُباني ، قال الحسن البصري : أربع خصال كنّ في معاوية ، لو لم يكنّ فيه إلاّ واحدة منهن ، كانت موبقة : انتزاؤه على هذه الاُمّة بالسُفهاء ، وفيها بقايا الصحابة وذوو الفضل ، وادّعاؤه زياداً ، وقد قال النّبي (ص) : «الولد للفراش ، وللعاهر الحجر» ، واستخلافه يزيداً من بعده ، سكّيراً خمّيراً ، يزوج بين الدّب والذئب ، والكلب والضبع ؛ ينظر ما يخرج بينهما ، وقتله حجر بن عدي وأصحابه. فيا ويله! ثمّ يا ويله! قال المُرزُباني : كان حِجر بن عدي بن الأدبر الكندي ـ رحمة الله عليه ـ وفد على النّبي (ص) وشهد القادسية ، وهو الذي فتح مَرج عذراء. وشهد مع علي (ع) الجمل وصفّين ، وهو من العُبّاد الثقات المعروفين ، روى عن النّبي (ص). وتكلّم زياد بن أبيه يوماً على المنبر ، فقال : إنّ من حقّ أمير المؤمنين ، أعادها مراراً ، فقال حِجر : كذبت ، ليس كذلك. فسكت زياد ساعة ، ثمّ أخذ في كلامه حتّى غاب عنه ما جرى ، فقال : إنّ من حقّ أمير المؤمنين ، فأخذ حِجر كفاً من حصى فحصبه ، وقال : كذبت ، عليك لعنة الله. فانحدر زياد عن المنبر ودخل دار الإمارة ، وانصرف حِجر ، فبعث إليه زياد الخيل والرجال ، فقالوا : أجب. فقال : إنّي والله ، ما أنا بالذي يخاف ، ولا آتيه أخافه على نفسي. وقال ابن سيرين : لو مال لمال أهل الكوفة معه ، غير أنّه كان رجلاً ورعاً. وأبى زياد أنْ يرفع عنه الخيل حتّى سلسله ، وأنفذه مع اُناس من أصحابه ـ وكانوا ثلاثة عشر (١) ـ إلى معاوية. فلمّا سار حِجر ، أتبعه زياد بريداً ، فقال : اركض إلى معاوية ، وقل له : إنْ كان لك في سلطانك حاجة
____________________
(١) سيأتي في رواية ابن الأثير : إنّهم أربعة عشر ، فلعّل مراد المُرزُباني : إنّهم ثلاثة عشر ، ما عدى حجر ، ومعه أربعة عشر.