المجلس الخامس والسّبعون بعد المئة
قال الأعمش : أوّل قتيل قُتل في الإسلام صبراً حِجر بن عدي. قال المُرزُباني : لمّا بعث زياد بن أبيه بحِجر بن عدي وأصحابه إلى معاوية بالشام ، أمر معاوية بإخراجهم إلى عذراء وقتلهم هناك ، فلمّا قدم حِجر عذراء ، قال : ما هذه القرية؟ فقيل : عذراء. فقال : الحمد لله ، أما والله ، إنّي لأوّل مسلم ذكر الله فيها وسجد ، وأوّل مسلم نبح عليه كلابها في سبيل الله ، ثمّ أنا اليوم اُحمل إليها مُصفّداً في الحديد. ثمّ قال حجر للذي أمر بقتلهم : دعني اُصلّي ركعتين. فصلّى ركعتين خفيفتين ، فلمّا سلّم انفتل إلى النّاس ، فقال : لولا أنْ يقولوا جزع من الموت ، لأحببت أنْ تكونا أنفس ممّا كانتا ، وأيم الله ، لئن لم تكن صلاتي فيما مضى تنفعني ، ما هاتان بنافعتي شيئاً. ثمّ أخذ ثوبه فتحزّم به ، ثمّ قال لمَن حوله من أصحابه : لا تحلّوا قيودي ، فإنّي أجتمع أنا ومعاوية على هذه المحجّة. ثم مشى إليه هدبة الأعور بالسيف ، فشخص له حجر ، فقال : ألم تقل إنّك لا تجزع من الموت؟ فقال : أرى كفناً منشوراً ، وقبراً محفوراً ، وسيفاً مشهوراً ، فما لي لا أجزع؟! أما والله ، لئن جزعت ، لا أقول ما يسخط الربّ. فقال له : فابرأ من عليٍّ ، وقد أعدّ لك معاوية جميع ما تريد إنْ فعلت. فقال : ألم أقل إنّي لا أقول ما يسخط الربّ؟ والله ، لقد أخبرني حبيبي رسول الله (ص) بيومي هذا. ثمّ قال : إنْ كنتَ أمرت بقتل ولدي (١) فقدّمه. فقدّمه فضربت عنقه ، فقيل له : تعجّلت الثكل. فقال : خفت أنْ يرى هول السّيف على عنقي فيرجع عن ولاية علي (ع) ، فلا نجتمع في دار المقامة التي وعدها الله الصابرين. فلله درّ حِجر! ما أعظم نفسه ، وأجلّ مقامه ، وأشدّ تهالكه في حبّ أهل بيت نبيّه (ص) ، وفي طاعة ربه!
______________________
(١) لم يذكر غير المُرزُباني إنّ ولد حِجر كان من جملة المقتولين ، ولعلّه جاء مع أبيه لوداعه أو لغير ذلك فقُتل ، ولم يكن من الذين بعث بهم زياد ؛ فلذلك لم يذكره المؤرّخون ، والله أعلم. ـ المؤلّف ـ