المجلس السّابع والسّبعون بعد المئة
قال المُرزُباني : كان الأحنف بن قيس التميمي ـ رحمه الله ـ من خيار أصحاب علي (ع). روي : أنّ النّبي (ص) أنفذ رجلاً يدعو بني سعد إلى الإسلام ، والأحنف فيهم ، فقال : والله ، إنّه يدعو إلى خير ، وما أسمع إلاّ حسناً ، وإنّه ليدعو إلى مكارم الأخلاق ، وينهى عن ملائمها. فذُكر ذلك الرجل للنبيِّ (ص) مقاله ، فقال (ص) : «اللهمّ ، اغفر للأحنف». وكان يقول : هذا منْ أرجى عملي عندي. وحضر عند معاية فتكلّم جلساؤه ، والأحنف ساكت ، فقال له معاوية : ما لك لا تتكلّم يا أبا بحر؟ فقال : أخاف الله إنْ كذبت ، وأخافكم إنْ صدقت. وقال له معاوية مرّة : أنت صاحبنا بصفّين ، ومخذّل النّاس عن اُمّ المؤمنين. فقال : والله ، إنّ قلوبنا التي أبغضناك بها يومئذ لفي صدورنا ، وإنّ سيوفنا التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا ، ولئن دنوت إلينا شبراً من غدر ، لندنونّ إليك ذراعاً من ختر ، ولئن شئت لتصفونّ لك قلوبنا بحلمك عنّا. قال : قد شئت. وكان عنده يوماً ، إذ دخل رجل من أهل الشام ، فقام خطيباً ، فكان آخر كلامه أنْ سبّ عليّاً (ع) ، فأطرق النّاس ، فتكلم الأحنف وقال مخاطباً لمعاوية : إنّ هذا القائل ما قال لو يعلم أنّ رضاك في شتم الأنبياء والمرسلين لما توقّف عن شتمهم ، فاتّقِ الله ودع عنك عليّاً ؛ فقد لقي ربّه بأحسن ما عمل عامل. كان والله ، المبرّز في سبقه ، الطاهر في خُلُقه ، الميمون النقيبة ، العظيم المصيبة ، أعلم العلماء وأحلم الحلماء ، وأفضل الفضلاء ، ووصي خير الأنبياء. فقال معاوية : لقد أغضيت العين عن القذى ، وقلت بما لا ترى ، وأيَم الله ، لتصعدنّ المنبر فتلعنه طوعاً أو كرهاً. فقال : إنْ تعفيني ، فهو خير لك ، وإنْ تجبرني على ذلك ، فوالله ، لا يجري به لساني أبداً. فقال : لا بدّ أنْ تركب المنبر وتلعن عليّاً. فقال : إذاً والله ، لأنصفنّك وأنصفنّ عليّاً. قال : تفعل ماذا؟ قال : أحمد الله واُثني عليه واُصلّي على نبيّه (ص) ، وأقول : أيها النّاس ، إنّ معاوية أمرني أنْ ألعن عليّاً ، وأنّ عليّاً ومعاوية اقتتلا وادّعى كلّ منهما أنّه كان مبغياً عليه وعلى فئته ، فإذا دعوت فأمّنوا على دعائي ، ثمّ أقول :