المجلس الثامن والسّبعون بعد المئة
قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : لم يكن أحد أحبّ إلى معاوية أنْ يلقاه من أبي الطفيل الكناني ، وهو عامر بن وائلة ، وكان فارس أهل صفّين وشاعرهم ، وكان من أخصّ النّاس بعلي (ع). فقدم أبو الطفيل الشام يزور ابن أخ له من رجال معاوية ، فاُخبر معاوية بقدومه ، فأرسل إليه فأتاه ، وهو شيخ كبير ، فلمّا دخل عليه ، قال له معاوية : أنت أبو الطفيل عامر بن وائلة؟ قال : نعم. قال معاوية : أكنت ممّن قتل أمير المؤمنين عثمان؟ قال : لا ، ولكن ممّن شهده فلم ينصره. قال : ولمَ؟ قال : لم ينصره المهاجرون والأنصار. فقال معاوية : أما والله ، إنّ نُصرته كانت عليك وعليهم حقّاً واجباً ، وفرضاً لازماً ، فإذا ضيّعتموه فقد فعل الله بكم ما أنتم أهله ، وأصاركم إلى ما رأيتم. فقال أبو الطفيل : فما منعك يا أمير المؤمنين ، إذ تربّصت به ريب المنون ، أنْ تنصره ، ومعك أهل الشام؟ فقال معاوية : أوَما ترى طلبي لدمه؟! فضحك أبو الطفيل ، وقال : ويلي! ولكنّي وإيّاك كما قال عبيد بن الأبرص :
لأعرِفنّكَ بعدَ الموتِ تنْدبُني |
|
وفي حَياتي ما زَوَّدتَني زادِي |
فدخل مروان بن الحكم وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحكم ، فلمّا جلسوا نظر إليهم معاوية ، ثمّ قال : أتعرفون هذا الشيخ؟ قالوا : لا. فقال معاوية : هذا خليل علي بن أبي طالب ، وفارس صفّين ، وشاعر أهل العراق ، هذا أبو الطفيل. قال سعيد بن العاص : قد عرفناه ، فما يمنعك منه وشتمه القوم؟ فزجرهم معاوية ، وقال : مهلاً ، فربَّ يومٍ ارتفع عن السُّباب ، قد ضقتم به ذرعاً. ثمّ قال : أتعرف هؤلاء يا أبا الطفيل؟ قال : ما أنكرهم من سوء ، ولا أعرفهم بخير. وأنشد شعراً :
فإنْ تكنْ العداوةُ قدْ أكنَّتْ |
|
فشرُّ عداوةِ المرءِ السُّبابُ |
فقال معاوية : يا أبا الطفيل ، ما أبقى لك الدهر من حبّ علي؟ قال : حبّ اُمّ موسى