المجلس الثمانون بعد المئة
كان قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري من أجلاّء الصحابة ، ومن المتفانين في حبّ علي (ع) ونصره. وفي الإستيعاب ، قال الواقدي : كان قيس بن سعد من كرام أصحاب رسول الله (ص) ، وأسخيائهم ودهاتهم. قال أبو عمرو : كان أحد الفضلاء الأجلّة ، وأحد دهاة العرب ، وأهل الرأي والمكيدة في الحرب ، مع النّجدة والبسالة ، والسخاء والكرم ، وكان شريف قومه غير مدافع ، وكان يقول : اللهمّ ، ارزقني حمداً ومجداً ؛ فإنّه لا حمد إلاّ بفعال ، ولا مجد إلاّ بمال. واستقرض منه رجل ثلاثين ألفاً ، فلمّا ردّها عليه أبى أنْ يقبلها ، وقال : إنّا لا نعود في شيء أعطيناه. وشكت إليه عجوز أنّه ليس في بيتها جرذ ، فقال : ما أحسن ما سألت! أما والله ، لأكثرنّ جرذان بيتك ، فملأ بيتها طعاماً وأداماً. ولمّا خرج أبوه من المدينة ، قسّم ماله بين أولاده ، وكان له حمل لا يعلم به ، فلمّا توفي أبوه ، طلبوا إلى قيس أنْ ينقض القسمة ، فقال : نصيبي للمولود ، ولا أنقض ما صنع أبي. وكان لقيس دَينٌ كثيرعلى النّاس ، فمرض واستبطأ عوّاده ، فقيل : إنّهم يستحون من أجل دينك. فأمر فنودي : مَن كان لقيس عليه دَين فهو له ، فتزاحم النّاس على عيادته حتّى هدموا درجة كانوا يصعدون عليها إليه. وقال أنس بن مالك : كان قيس من النبيّ (ص) بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. صحب قيس علي بن أبي طالب (ع) ، وشهد معه الجمل وصفّين والنّهروان هو وقومه ، ولم يفارقه حتّى قُتل. وكان علي (ع) قد ولاّه على مصر ، فضاق به معاوية وكايد فيه عليّاً ففطن له ، فلم يزل به الأشعث وأهل الكوفة حتّى عزله ، وولّى محمّد بن أبي بكر ففسدت عليه مصر. وكان قيس مع الحسن (ع) على مقدّمته ، ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رؤوسهم وتبايعوا على الموت ، فلمّا دخل الحسن (ع) في بيعة معاوية أبى قيس أنْ يدخل. قال أبو الفرج : إنّه نهض بمَن معه لقتال معاوية ، وخرج إليهم بُسر