المجلس الحادي والثمانون بعد المئة
قال ابن أبي الحديد : روي أنّ الوليد بن جابر بن ظالم الطائي كان ممّن وفد على رسول الله (ص) فأسلم ، ثمّ صحب عليّاً (ع) وشهد معه صفّين ، وكان من رجاله المشهورين ، ثمّ وفد على معاوية بعد وفاة أمير المؤمنين (ع) ودخل عليه في جملة النّاس ، فاستنسبه فانتسب له ، فعرفه معاوية ، فقال له : أنت صاحب ليلة الهرير؟ قال : نعم. قال : والله ، لا تخلو مسامعي من رجزك تلك الليلة ، وقد علا صوتك أصوات النّاس ، وأنت تقول :
شُدّوا فداءً لكُمُ اُمِّي وأبِ |
|
فإنّما الأمرُ غَداً لمَنْ غلَبْ |
هذا ابنُ عمِّ المُصطفَى والمُنتَجبْ |
|
تنْميهِ للعلياءِ ساداتُ العربْ |
ليسَ بموصُومٍ إذا نُصَّ النَّسبْ |
|
أوّلُ مَنْ صلَّى وصامَ واقتَرَبْ |
قال : نعم ، أنا قائلها. قال : فلماذا قلتها؟ قال : لأنّا كنّا مع رجل لا نعلم خصلة توجب الخلافة ، ولا فضيلة تصير إلى التقدمة إلاّ وهي مجموعة له. كان أوّل النّاس سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأرجحهم حلماً. فات الجياد فلا يشقّ غباره ، واستولى على الأمد فلا يخاف عثاره ، وأوضح منهج الهدى فلا يبيد مناره ، وسلك القصد فلا تدرس آثاره. فلمّا ابتلانا الله تعالى بافتقاده ، وحوّل الأمر إلى مَن يشاء من عباده ، دخلنا في جملة المسلمين ، فلم ننزع يداً عن طاعة ، ولم نصدع صفاة جماعة ، على أنّ لك منّا ما ظهر ، وقلوبنا بيد الله وهو أملك بها منك ، فاقبل صفونا وأعرض عن كدرنا ، ولا تُثر كوامن الأحقاد ؛ فإنّ النار تقدح بالزناد. قال معاوية : وإنّك لتهددني يا أخا طيء ، بأوباش العراق؟! أهل النفاق ومعدن الشقاق. فقال : يا معاوية ، هم الذين أشرقوك بالرّيق ، وحبسوك بالمضيق ، وذادوك عن سُنن الطريق حتّى لذت منهم بالمصاحف ، ودعوت إليها مَن صدّق بها وكذّبت ، وآمن بمنزلها وكفرت ، وعرف من تأويلها ما أنكرت. فغضب معاوية ، وأدار طرفه