المجلس الثاني والثمانون بعد المئة
قال المُرزُباني : دخل عدي بن حاتم الطائي ـ رحمه الله ، وكانت عينه ذهبت يوم الجمل ـ على معاوية وعنده ابن الزّبير ، فقال ابن الزّبير : يا أبا طريف ، متى ذهبت عينُك؟ قال : يوم فرّ أبوك مُنهزماً فقُتل ، وضُربتَ على قفاك وأنت هارب ، وأنا مع الحقّ وأنت مع الباطل. فقال معاوية : ما فعل الطُّرفات؟ ـ يعني : طريفاً وطُرافاً وطُرْفة أبناءه ـ قال : قُتلوا مع أمير المؤمنين علي (ع). فقال له : ما أنصفك علي ؛ إذ قدّم أبناءك وأخّر أبناءه. قال : بل أنا ما أنصفته ؛ إذ قُتل وبقيت بعده. قال له معاوية : أما أنّه قد بقيت قطرة من دم عثمان ، ما لها إلاّ كذا ، وأومأ بيده إليه. فقال له عدي : إنّ السّيوف التي اُغمدتْ اُغمدتْ على حسّك في الصدور ، ولعلّك تسلُّ سيفاً تسلُّ به سيوفاً. فالتفت معاوية إلى عمرو بن العاص ، فقال : كلمة شدَّها في قَرنك. ثمّ خرج عدي ، وهو يقول :
يحاولُنِي مُعاويةُ بن صخْرٍ |
|
وليسَ إلى التي يَبغِي سبيل |
يُذكِّرُني أبا حَسنٍ عليّاً |
|
وخَطْبي في أبي حسنٍ جليل |
وقال ابنُ الزُّبيرِ وقال عمرٌو |
|
عديٌّ بعدَ صفّين ذليل |
فقُلتُ صدقتُما قدْ هدَّ رُكني |
|
وفارقَني الذينَ بهِمْ أصول |
ولكنّي على ما كانَ منِّي |
|
اُخبِّرُ صاحبيَّ بما أقول |
اُخبِّرُ صاحبيَّ بما أقول |
|
من الأيامِ محمِلُهُ ثقيلُ |
أقول : كلّ مَن كان عريقاً في ولاء أهل البيت عليهمالسلام يهون عليه فداء نفسه وولده في محبّتهم ؛ ألاَ ترى إلى بشر بن عمرو الحضرمي حين قيل له يوم الطفِّ : إنّ ابنه اُسّر بثغر الري ، فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحبّ أنْ يُؤسر وأبقى بعده. فسمع الحسين (ع) قوله ، فقال له : «رحمك الله ، أنت في حلٍّ من بيعتي ، فاذهب واعمل في فكاك ابنك». فقال : أكلتني السباع حيّاً إنْ فارقتك. قال (ع) : «فأعطِ ابنك هذا هذه الأثواب