المجلس الرابع والثمانون بعد المئة
روى الشيخ المفيد ـ عليه الرحمة ـ في كتاب الإختصاص ، بسنده قال : قَدِم وفد العراقيّين على معاوية ، فقدم في وفد أهل الكوفة عدي بن حاتم الطائي ، وفي وفد أهل البصرة الأحنف بن قيس وصعصعة بن صوحان ، فقال عمرو بن العاص لمعاوية : هؤلاء رجال الدّنيا ، وهم شيعة علي الذين قاتلوا معه يوم الجمل ويوم صفّين ، فكن منهم على حذر. فأمر لكلِّ رجل منهم بمجلس سري واستقبل القوم بالكرامة ، فلمّا دخلوا عليه ، قال لهم : أهلاً وسهلاً ، قدمتم الأرض المقدّسة ، وأرض الأنبياء والرُّسل ، والحشر والنّشر. فتكلّم صعصعة ، وكان من أحضر النّاس جواباً ، فقال : أمّا قولك الأرض المقدّسة ، فإنّ الأرض لا تُقدّس أهلها ، وإنّما تُقدّسهم الأعمال الصالحة ؛ وأمّا قولك أرض الأنبياء والرسل ، فمَنْ بها من أهل النّفاق والشرك ، والفراعنة والجبابرة ، أكثر من الأنبياء والرسل ؛ وأمّا قولك أرض الحشر والنّشر ، فإنّ المؤمن لا يضرّه بُعد المحشر ، والمنافق لا ينفعه قربُه. فقال معاوية : لو كان النّاس كلّهم أولدهم أبو سفيان ، لا كان فيهم إلاّ كيّساً رشيداً. فقال صعصعة : قد أولد النّاس مَن كان خيراً من أبي سفيان ، وهو آدم أبو البشر ، فأولد الأحمق ، والفاجر والفاسق ، والمعتوه والمجنون. فخجل معاوية. وروى المفيد أيضاً في الكتاب المذكور ، بسنده عن السائب قال : خطب النّاس يوماً معاوية بمسجد دمشق ـ وفي الجامع يومئذ من الوفود علماء قريش ، وخطباء ربيعة ، وصناديد اليمن وملوكها ـ فقال : إنّ الله تعالى أكرم خلفاءه ، فأوجب لهم الجنّة وأنقذهم من النّار ، ثمّ جعلني منهم ، وجعل أنصاري أهل الشام الذابّين عن حرم الله ، المؤيَّدين بظفر الله ، المنصورين على أعداء الله. وكان في الجامع من أهل العراق الأحنف بن قيس وصعصعة بن صوحان ، فقال الأحنف لصعصعة : أتكفيني ، أمْ أقوم إليه أنا؟ فقال صعصعة : بل أكفيكه أنا. فقام صعصعة ، فقال : يابن أبي سفيان ، تكلّمت فأبلغت ولم تقصر دون ما أردت ، وكيف يكون ما تقول وقد غلبتنا قسراً ، وملكتنا تجبّراً ، ودِنتنا بغير