المجلس السّادس والثمانون بعد المئة
ذكر غير واحد من المؤرّخين ، منهم : ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) : إنّ عبد الله بن الزّبير لمّا قطع ذكر رسول الله (ص) من الخطبة ، لامهُ النّاس ، فقال : إنّ له اُهيلَ سوءٍ ، إذا ذكرته أتلعوا أعناقهم فاُحبّ أنْ أكبتهم. وعاتبه قوم من خاصّته على ذلك ، فقال : ما تركته علانيّة إلاّ وأنا أقوله سرّاً ، ولكنّي رأيت بني هاشم إذا سمعوا ذكره ، أشرأبّوا واحمرّت ألوانهم وطالت رقابهم ، والله ، ما كنت آتي لهم سروراً وأنا اقدر عليه ... إلى أنْ قال : بيت سوء لا أوّل لهم ولا آخر. فبلغ ذلك ابن عبّاس ، فخرج مغضباً ومعه ابنه حتّى أتى المسجد ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على رسوله (ص) ، ثمّ قال : أيّها النّاس ، إنّ الزّبير يزعم أنّه لا أوّل لرسول الله (ص) ولا آخر ، فيا عجباً كلّ العجب لافترائه وكذبه! إنّ أوّل مَن أخذ الإيلاف وحمى عِيرَ قريشٍ لهاشم ، وإنّ أوّل مَن سقى بمكة عَذِباً ، وجعل باب الكعبة ذهباً لعبد المطلب ، والله ، لقد نشأت ناشئتنا مع ناشئة قريش ، وإنّا كنّا لقالتهم إذا قالوا ، وخطباءهم إذا خطبوا ، وما عُدّ مجدٌ كمجد أوّلنا ، ولا كان في قريش مجد لغيرنا ؛ لأنّها كانت في كفر ماحق ودين فاسق ، وضلة وضلالة ، في عشواء عمياء حتّى اختار الله لنا نوراً ، وبعث لنا سراجاً ، فانتجبه طيّباً من طيّبين ، فكان أحدَنا وولدَنا ، وعمَّنا وابنَ عمّنا. ثمّ إنّ أسبق السابقين إليه منّا ابن عمنّا ، ثُمّ تلاه في السّبق أهلنا ولحمتنا ، واحداً بعد واحد ، ثمّ إنّا لَخير النّاس بعده ؛ أكرمهم أدباً ، وأشرفهم حسباً ، وأقربهم منه رحماً. وأعجباً كلّ العجب لابن الزّبير! يَعيب بني هاشم ، وإنّما شرُفَ هو وأبوه وجدّه بمصاهرتهم! أما والله ، إنّه لمسلوب قريش ، ومتى كان العوّام بن خويلد يطمع في صفيّة بنت عبد المطلب؟ قيل للبغل : مَن أبوك؟ فقال : خالي الفرس. ثمّ نزل. وخطب ابن الزّبير بمكّة ، وابن عباس تحت المنبر ، فقال : إنّ ههنا رجلاً قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره ؛ يُفتي في القملة والنّملة ، وقد قاتل اُمّ المؤمنين وحواري رسول الله (ص). فقال ابن عباس لقائده :