المجلس السّابع والثمانون بعد المئة
روى المُرزُباني : أنّ عبد الله بن العبّاس ـ رضي الله عنه ـ مرّ بمكّة ـ بعدما كُفّ بصره ـ بصفة زمزم ، وإذا قوم من أهل الشام يسبّون عليّاً (ع) ، فوقف عليهم ، فقال : أيّكم السّاب الله؟ قالوا : سبحان الله! ما فينا أحد سبّ الله. قال : فأيّكم السّاب رسول الله (ص)؟ قالوا : سبحان الله! ما فينا أحد سبّ رسول الله (ص). قال : فأيّكم السّاب علي بن أبي طالب (ع)؟ قالوا : أمّا هذا فقد كان. قال : أشهد على رسول الله (ص) لسمعتُه يقول : «مَن سبّ عليّاً فقد سبّني ، ومَن سبّني فقد سبّ الله ، ومَن سبّ الله أكبّه الله على منخره في نار جهنّم». ثمّ توّلى عنهم. فقال لابنه : كيف تراهم؟ فقال له ابنه :
نَظَرُوا إليك بأعْينٍ مُحمرَّةٍ |
|
نظرَ التّيوسِ إلى شفارِ الجازِرِ |
فقال لابنه : زدني. فقال :
خزرُ العُيونِ نواكسٌ أبصارُهُمْ |
|
نظًرُ الذَّليلِ إلى العزيزِ القاهِرِ |
فقال له : زدني. فقال : ليس عندي زيادة. فقال عبد الله :
أحياؤُهُمْ عارٌ على أمواتِهمْ |
|
والميِّتونَ مسبَّةٌ للغابِرِ |
وكان ابن عباس ـ رحمه الله ـ مبرّزاً في الفقه والتفسير ، والشعر والأنساب ، وأيام العرب ووقائعها ، وكان يُسمّى الحَبْر ؛ لكثرة علمه ، وكان فصيحاً قوي الحُجّة ، ثابت الجنان ، وله مواقف مشهورة في ذلك مع معاوية وعبد الله بن الزّبير وعائشة ، ومع الخوارج وغيرهم ، وشهد مع أمير المؤمنين (ع) حروب الجمل وصفّين والنّهروان. وأراد علي (ع) أنْ يختاره يوم الحكمين ، فلمْ يمكّنه أهل العراق