المجلس الثامن والتسعون بعد المئة
وقال الأصبغ بن نباتة : أتى أمير المؤمنين (ع) ومعه قنبر البزّازين (١) ، فساوم غلاماً بثوبين ، فماكسه الغلام حتّى اتّفقا على سبعة دراهم ؛ ثوباً بأربعة دراهم ، وثوباً بثلاثة دراهم. وقال لقنبر : «اختر أحد الثوبين». فاختار الذي بأربعة ولبس هو الذي بثلاثة ، وقال (ع) : «الحمد لله الذي رزقني ما اُواري به عورتي ، واتجمّل به في خلقه». ثمّ أتى المسجد فكوّم كومةً من حصىً فاستلقى عليها ، فجاء أبو الغلام فقال : إنّ ابني لَمْ يعرفك ، وهذان الدرهمان ربحهما فخذهما. فقال (ع) : «ما كنتُ لأفعل ، فقد ماكسته وماكسني واتّفقنا على رضا». وروي : أنّ أمير المؤمنين (ع) أتى سوق الكرابيس (٢) فإذا هو برجل وسيم (٣) ، فقال (ع) : «يا هذا ، عندك ثوبان بخمسة دراهم؟». فوثب الرجل فقال : يا أمير المؤمنين ، عندي حاجتك. فلمّا عرفه مضى عنه ، فوقف على غلام ، فقال (ع) : «يا غلام ، عندك ثوبان بخمسة دراهم؟». قال : نعم ، عندي ثوبان. فأخذ ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم والآخر بدرهمين ، فقال (ع) : «يا قنبر ، خُذ الذي بثلاثة دراهم». فقال : أنت أولى به ؛ تصعد المنبر وتخطب النّاس. قال (ع) : «وأنت شابٌّ ولك شره الشباب ، وأنا أستحي من ربّي أنْ أتفضّل عليك. سمعت رسول الله (ص) يقول : البسوهُم ممّا تلبسون ، وأطعموهُم ممّا تأكلون».
وقال المفيد ـ عليه الرحمة ـ في الإرشاد : من آيات الله الخارقة للعادة في أمير المؤمنين (ع) ، أنّه لمْ يعهد لأحد من مبارزة الأقران ومنازلة الأبطال ما عُرف له على مَرّ الزمان ، ولمْ يُوجد في ممارسي الحروب إلاّ مَن أصابته بشرٍّ أو جراحة أو شين إلاّ أمير
_______________________
(١) الذين يبيعون البز ، أي : القماش. ـ المؤلّف ـ
(٢) الكرابيس : جمع كرباس ، بوزن مصباح ، وهو الخام الغليظ.
(٣) جميل الصورة. ـ المؤلّف ـ