يسمح لهم بالخروج ، فسمح لهم على أنْ يأخذوا من أموالهم ما أمكنهم حمله عدا السّلاح ، وخرجوا إلى خيبر. وبعد وقعة اُحد جاء جماعة من رؤساء بني النّضير ، منهم حُيَي بن أخطب إلى مكّة ، فهيّجوا قريشاً على محاربة النّبيّ (ص) ، فقال لهم أبو سفيان : مرحباً وأهلاً ، أحبّ النّاس إلينا مَن أعاننا على عداوة محمّد. وأرسلوا إلى قبائل من العرب فوافقتهم على ذلك ، وأرسل أبو سفيان حُيَي بن أخطب رئيس بني النّضير إلى كعب بن أسد رئيس بني قُريظة لينقض العهد ، فأبى وقال : ما رأيت من محمّد إلاّ صدقاً ووفاءً. فراوده حُيَي كثيراً حتّى قَبِل ومزّق العهد ، وبلغ ذلك النّبيَّ (ص). فجاء نعيم بن مسعود ، وهو من غَطْفان ، إلى النّبيّ (ص) فقال : إنّي أسلمت ولمْ يعلم بيّ قومي ، فمرني بما تريد؟ فقال (ص) : «خذّل عنّا ؛ فإنّ الحرب خُدعة». فجاء إلى بني قُريظة ، وكانوا ندماءه في الجاهليّة ، فقال : قد عرفتم حُبّي لكم؟ قالوا : لست عندنا بمتّهم. قال : قد ضاهرتم قريشاً على حرب محمّد ولستم مثلهم ، أنتم أهل هذه البلاد وهم غرباء ، فإنْ غلبهم محمّد ذهبوا إلى بلادهم وتركوكم ، فلا تحاربوا معهم حتّى يُعطوكم رهينة. وجاء إلى قريش ، وقال : بلغني أنّ قُريظة ندموا وبعثوا إلى محمّد : هل يُرضيك أنْ نأخذ رجالاً من قريش وندفعهم إليك فتقتلهم؟ فإنْ طلبت قُريظة رهناً ، فلا تُعطوهم. فلمّا طلبت قُريظة منهم الرهن ، قالوا : صدق نعيم ، ولمْ يعطوهم. فقالت قُريظة : الذي قال نعيم حقّ. فلمْ تحارب معهم ، واجتمعت قريش ومَن تحزّب معها من قبائل العرب واليهود فكانوا عشرة آلاف ، وقصدوا المدينة ، كما قال الله تعالى : (جَآءُوكُمْ من فَوْقِكُمْ وَمن أَسْفَلَ منكُمْ). فبلغ خبرهم النّبي (ص) ، فأخبر النّاس وندبهم وشاورهم ، فأشار سلمان الفارسي بحفر خندق حول المدينة ، فأعجب ذلك المسلمين ، وقسّمه رسول الله (ص) بين كلّ عشرة أربعين ذراعاً ، فأحتق المهاجرون والأنصار في سلمان كلّ يقول منّا ، فقال رسول الله (ص) : «سلمان منّا أهل البيت». وجعلوا يحفرون الخندق مستعجلين حتّى أتمّوه في ستة أيام أو أكثر. وجاء الأحزاب ونزلوا بجانب الخندق ، وخرج النّبي (ص) في ثلاثة آلاف ، فضرب معسكره إلى سفح سلع ـ وهو جبل فوق المدينة ـ وجعل سلعاً خلف ظهره والخندق بينه وبين القوم ، ولمْ يكن الخندق محيطاً بالمدينة من جميع جوانبها ، بل كان الجانب الذي من ناحية سلع مشبكاً بالبنيان لا يستطيع العدو أنْ يأتي منه ، وإنّما حُفر الخندق من الجانب الذي هو غير محصّن.
وعظم البلاء ، واشتدّ الخوف وساءت الظنون ، وهو قوله تعالى : (وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَا) ونجم النّفاق حتّى قال بعض المنافقين : كان محمّد يعدنا كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أنْ