المجلس الثالث بعد المئتين
من كتاب لأمير المؤمنين (ع) إلى معاوية جواباً ، وهو من محاسن الكتب : «أمّا بعد ، فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله محمّداً (ص) لدينه ، وتأييده إيّاه بمَن أيّده من أصحابه ، فلقد خبّأ لنا الدهر منك عجباً ، إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله عندنا ، ونعمته علينا في نبيّنا ، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر ، أو داعي مسدّده إلى النّضال. وزعمت أنّ أفضل النّاس في الإسلام فلان وفلان ، فذكرت أمراً إنْ تمّ اعتزلك كلّه ، وإنْ نقص لَمْ يلحقك ثلمه. وما أنت والفاضل والمفضول ، والسائس والمسوس؟! وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأوّلين ، وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم؟! هيهات! لقد حنّ قدح ليس منها ، وطفق يحكم فيها مَن عليه الحكم لها ، ألا تربع أيّها الإنسان على ظلعك وتعرف قصور ذرعك ، وتتأخّر حيث أخرّك القدر؟ فما عليك غلبة المغلوب ولا ظفر الظافر. وإنّك لذّهاب في التيه ، روّاغ عن القصد ، ألاَ ترى غير مخبر لك ـ ولكن بنعمة الله اُحدّث ـ أنّ قوماً استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ـ ولكلٍّ فضل ـ حتّى إذا استشهد شهيدنا ، قيل : سيّد الشهداء ، وخصّه رسول الله (ص) بسبعين تكبيرةً عند صلاته عليه؟ ـ يريد بذلك حمزة ـ. أولاَ ترى أنّ قوماً قطعتُ أيديهم وأرجلهم في سبيل الله ـ ولكلٍّ فضل ـ حتّى إذا فُعل بواحدنا ـ يعني : جعفراً ـ ما فُعل بواحدهم ، قيل : الطيّار في الجنّة وذو الجناحين؟ ولولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمّة ، تعرفها قلوب المؤمنين ولا تمجّها آذان السّامعين ، فدع عنك مَن مالت به الرمية ؛ فإنّا صنائع ربّنا والنّاس بعدُ صنائع لنا. لَمْ يمنعا قديم عزّنا ، ولا عادي طولنا على قومك أنْ خلطناكم بأنفسنا ، فنكحنا وأنكحنا ، فعل الأكفاء ولستم هناك ، وأنّى يكون ذلك كذلك ومنّا النّبيّ ومنكم المُكذّب ، ومنّا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف ، ومنّا سيّدا شباب أهل الجنّة ومنكم صبية النّار ، ومنّا خير نساء العالمين ومنكم حمّالة الحطب ، في كثير ممّا لنا وعليكم؟! فإسلامنا قد سُمع