المجلس الخامس بعد المئتين
قال أبو جعفر محمّد بن علي الباقر (ع) لجابر : «أيكفي مَنْ انتحل التشيع أنْ يقول بحبنّا أهل البيت؟ فوالله ، ما شيعتنا إلاّ مَن اتّقى الله. وما كانوا يُعرفون يا جابر ، إلاّ بالتواضع والتخشّع وكثرة ذكر الله ، والصوم والصلاة ، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة ، والغارمين والأيتام ، وكفّ الألسن عن النّاس إلاّ من خير ، فكانوا اُمناء عشائرهم في الأشياء». فقال جابر : يابن رسول الله ، لستُ أعرف أحداً بهذه الصفة. فقال (ع) : «يا جابر ، لا تذهبنّ بك المذاهب ، حسب الرجل أنْ يقول : اُحبّ عليّاً وأتولاّه ، فلو قال : إنّي اُحبّ رسول الله (ص) ، فرسول الله خير من علي ، ثمّ لا يعمل عمله ولا يتبع سنته ، ما نفعه حبّه إيّاه شيئاً ، فاتّقوا الله واعملوا لِمَا عند الله. ليس بين الله وبين أحد قرابة. أحبّ العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم له وأعملهم بطاعته. والله ، ما يُتقرّب إلى الله تعالى إلاّ بالطاعة. ما معنا براءة من النّار ولا على الله لأحد من حجة. مَن كان لله مُطيعاً فهو لنا ولي ، ومَن كان عاصياً فهو لنا عدو ، ولا تُنال ولايتنا إلاّ بالورع والعمل». وقال أبو جعفر (ع) : «إنّما شيعة علي (ع) الشاحبون الناحلون الذابلون ؛ ذابلة شفاهم ، خمص بطونهم ، متغيرة ألوانهم ، مصفرّة وجوههم ، إذا جنّهم الليل اتخذوا الأرض فراشاً ، واستقبلوا الأرض بجباههم ؛ كثير سجودهم كثيرة دموعهم ، كثير دعاؤهم كثير بكاؤهم ، يفرح النّاس وهم يحزنون». وقال أمير المؤمنين (ع) : «ألا وإنّ لكلِّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه ، ألاَ وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، ومن طعامه بقرصيه ، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورعٍ واجتهاد ، وعفّة وسداد ، فوالله ، ما كنزت من دنياكم تبراً ، ولا ادّخرت من غنائمها وفراً ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً ، ولا حزت من أرضها شبراً». وهكذا كانت عادة أهل البيت عليهمالسلام وطريقتهم في الزهد في الدنيا الفانية ، والإيثار على أنفسهم ، وتفقّد الفقراء والمساكين ، وكثرة الصلاة ، وكثرة ذكر الله