المجلس السّادس بعد المئتين
من كتابٍ لأمير المؤمنين (ع) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري ، وكان عامله على البصرة ، وقد بلغه أنّه دُعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها : «أمّا بعدُ يابن حنيف ، فقد بلغني أنّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعتَ إليها ، تُستطاب لك الألوان وتُنقل إليك الجفان ، وما ظننت أنّك تُجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيّهم مدعو ، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم ، فما اشتبه عليك علمه فالفظه ، وما أيقنت بطيب وجهه فنِلْ منه. ألا وإنّ لكلِّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه ، ألاَ وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، ومن طعامه بقرصيه ، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورعٍ واجتهاد ، وعفّة وسداد ، فوالله ، ما كنزت من دنياكم تبراً ، ولا ادّخرت من غنائمها وفراً ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً ، ولا حزت من أرضها شبراً. بلى ، كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلَّته السّماء ، فشحَّتْ عليها نفوس قوم ، وسخَتْ عنها نفوس قوم آخرين ، ونِعمَ الحكم الله. وما أصنع بفدك وغير فدك ، والنّفس مظانُّها في غدٍ جَدَثٌ تنقطع في ظلمته آثارها وتغيب أخبارها! وحفرة لو زِيد في فُسحتها ، وأوسعت يدََا حافرها ، لأضغَطها الحجر والمدر ، وسدّ فُرَجها التراب المتراكم! وإنّما هي نفسي اُروّضُها بالتّقى لتأتيَ آمنةً يوم الخوف الأكبر ، وتثبت على جوانب المَزْلَق. ولو شئتُ لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ، ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القزّ ، ولكن هيهات أنْ يغلبني هواي ، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة ، ولعلّ بالحجاز أو باليمامة مَن لا طمع له في القرص ، ولا عهد له بالشبع. أوَ أبيتُ مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى؟! أوَ أكون كما قال القائل :
وحسبُكَ عاراً أنْ تبيت ببطنةٍ |
|
وحولكَ أكبادٌ تحنُّ إلى القدِّ |