المجلس السّابع بعد المئتين
من كلام لأمير المؤمنين (ع) : «إليكِ عنّي يا دُنيا ، فحبلك على غاربك ، قد انسللتُ من مخالبك وأفلتُّ من حبائلك ، واجتنبت الذهاب في مداحضك. أين القرون الذين غررتهم بمداعبك؟ أين الاُمم الذين فتنتهم بزخارفك؟ فها هم رهائن القبور ومضامين اللحود. والله ، لو كنتُ شخصاً مرئيّاً وقالباً حسيّاً ، لأقمت عليك حدود الله في عبادٍ غررتهم بالأماني ، واُمم ألقيتهم في المهاوي ، وملوك أسلمتهم إلى التلف وأوردتهم موارد البلاء ، إذ لا ورد ولا صدر. هيهات! مَن وطئ دَحْضك زلِق ، ومَن ركب لُجَجك غرِق ، ومَن ازْوَرَّ عن حبائلك وُفِّق ، والسّالم منك لا يُبالي إنْ ضاق به مناخه ، والدّنيا عنده كيوم حان انسلاخه. اعزُبي عنّي ، فو الله ، لا أذلّ لك فتستذلّيني ، ولا أسلس لك فتقوديني ، وأيَم الله ، يميناً أستثني فيها بمشيئة الله ، لأروضنّ نفسي رياضةً تهشّ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً ، وتقنع بالملح مأدوماً ، ولأدَعنَّ مُقلتي كعين ماءٍ نضب معينها ، مستفرغة دموعها ، تمتلئ السّائمة من رعيها فتبرك ، وتشبع الربيضة من عشبها فتربض ، ويأكل علي من زاده فيهجع! قرّت إذاً عينه إذا اقتدى بعد السّنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة ، والسّائمة المرعية. طوبى لنفس أدّت إلى ربّها فرضها ، وعركت بجنبها بؤسها ، وهجرت في الليل غمضها ، حتّى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها وتوسّدت كفّها ، في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم ، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم ، وهمهمت بذكر ربّهم شفاههم ، وتقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم ، (اُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلاَ إِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). كما فعل أصحاب الحسين (ع) ليلة العاشر من المُحرّم ؛ فإنّهم قاموا الليل كلّه يُصلّون ويستغفرون ، ويدعون ويتضرّعون ، وباتوا ليلة العاشر من المُحرّم ولهم دويّ كدويّ النّحل ؛ ما بين قائم وقاعد.
سمةُ العبيدِ من الخشوعِ عليهمُ |
|
لله إنْ ضمّتْهُمُ الأسحارُ |