المجلس الحادي عشر بعد المئتين
كان النّاس قبل الإسلام ، منهم مَن يعبد الأصنام كمشركي العرب وغيرهم ، ومنهم مَن يعبد النّار وهم المجوس ، ومنهم مَن يعبد النّجوم والكواكب ، ومنهم مَن يعبد الملائكة ، ومنهم مَن يعبد الآدميين ، ومنهم عبَدَة الأصنام والأوثان ، ومنهم مَن لا يؤمن بالبعث ويرى أنّ الأصنام تنفعه في دنياه ، ويقول : (إِنْ هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) وقال في ذلك شاعرهم :
يُخبِّرُنا ابنُ كبشةّ أنْ سنُحْيا |
|
وكيفَ حياةُ أصْدَاءٍ وهامِ |
والذين كانوا على شرائع الأنبياء كانوا قد غيّروا وبدّلوا ، واتّخذوا رؤساءهم أرباباً من دون الله ؛ حلّلوا لهم حراماً ، وحرّموا عليهم حلالاً فاتَّبعوهم. وكانوا يأكلون الرّبا ويشربون الخمر ، ويطوفون بالبيت عراةً رجالاً ونساءً ، وقد فشا فيهم الزنا وارتكاب الفواحش ، ووأدوا البنات فدفنوهنّ أحياء : (وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِالاُنثَى ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ) ومُلئت الأرض من مشرقها إلى مغربها بالخرافات والسّخافات ، والبدع والقبائح وعبادة الأوثان ، فبعث الله تعالى نبيّه محمّداً (ص) على حين فترة من الرسل إلى النّاس كلّهم ، فقام في وجه العالم كافة ، ودعا إلى الإيمان بإله واحد ، آمراً بعبادته وحده لا شريك له ، مُبطلاً عبادة الأوثان والأصنام ، متمّما لمكارم الأخلاق ، حاثّاً على محاسن الصفات ، آمراً بكل حسن ، ناهياً عن كلّ قبيح. واكتفى من النّاس بأنْ يقولوا : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ، ويُقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، ويصوموا شهر رمضان ، ويحجّوا البيت ، ويلتزموا بأحكام الإسلام. وكان قول هاتين الكلمتين موجباً أنْ يكون لقائلهما ما للمسلمين وعليه ما عليهم ولو قالهما والسّيف على رأسه ؛ وأنزل عليه قرآناً عربياً مبيناً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؛ أعجز به بلغاء