العرب وفصحاءهم ، وتحدّاهم فيه بالمعارضة فلم يستطيعوا معارضته. فحوى من أحكام الدين وأخبار الماضين ، وتهذيب الأخلاق ، والأمر بالعدل والنّهي عن الظُّلم ، وتبيان كلّ شيء. ما يزال يُتلى على كرّ الدهور ومرّ الأيام وهو غضّ طريّ ، يحير ببيانه القول ، ولا تملّه الطباع مهما تكرّرت تلاوته وتقادم عهدُه.
بعث النّبي (ص) بالمساواة في الحقوق بين جميع الخلق ، وبالإخوّة بين جميع المؤمنين : (إِنّمَا الْمُؤْمنونَ إِخْوَةٌ) وبالعفو العام عمّن دخل في الإسلام (الإسلام يجبّ ما قبله) ، وسنّ شريعةً باهرة وقانوناً عادلاً ، فكان هذا القانون جامعاً لجميع ما يحتاجه النّاس في معاشهم ومعادهم ، فكان عباديّاً اجتماعيّاً سياسيّاً ، أخلاقيّاً اقتصاديّاً ، لا يشذّ عنه شيء ممّا يمكن وقوعه في الكون ويحتاج إليه بنو آدم. فما من واقعة تقع ولا حادثة تحدث إلاّ ولها في الشريعة الإسلاميّة أصل مُسلّم عند المسلمين ترجع إليه ؛ وهذا ممّا امتازت به الشريعة الإسلاميّة ؛ وذلك لأنها خاتمة الشرائع ، وباقية إلى انقراض عمر الدنيا. على أنّ العبادات في الدين الإسلامي لا تتمحض لمجرد العبادة ، ففيها منافع بدنية واجتماعيّة ، وسياسيّة وأخلاقيّة ؛ فالطهارة تُفيد النّظافة ، وفي الصلاة رياضة روحيّة وبدنيّة ، وفي صلاة الجماعة والحجّ فوائد اجتماعيّة وسياسيّة ظاهرة ، وفي الصوم رياضة النّفس وصحة البدن ، وفي المعاملات حفظ نظام الاجتماع ، وفي أحكام التجارة حفظ الحقوق ، وفي النّكاح بقاء النّسل وقطع مادة الفساد ، وفي الميراث حبس أموال الميّت على أقربائه دون الغرباء ، وفي الوصيّة والوقف عدم حرمان المرء من منفعة ماله بعد وفاته ، وفي القضاء رفع الخصام على قاعدة العدل ، وفي الأخلاقيّات حُسن العشرة والآداب. وفي السّياسيّات : الجهاد للدفاع عن الوطن ، والسّبق والرّماية لتعلُّم فنون الحرب ، والجنديّة والحدود والدِّيات لحفظ النّفوس والأموال وقمع الجرائم.
وأمرَ هذا الدِّين بتعلّم العلم وحثّ عليه : (هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنّمَا يَتَذَكّرُ اُولُوا الألبَابِ إِنّمَا يَخْشَى اللّهَ من عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ). «طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مُسلمٍ ومُسلمة». «اطلبوا العلمَ ولو في الصِّين». وأوجب تعلّم كلَّ علم نافع ـ دِيني أو صناعي ـ على الكفاية.
وأمرَ هذا الدين بالنّظر وإعمال العقل ، والأخذ بالدليل والبرهان ، وذمّ التقليد : (فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السّماوات وَالأَرْضِ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ وَيَتَفَكّرُونَ