المجلس الثّاني عشر بعد المئتين
قال الله تعالى في سورة القصص حكاية عن موسى (ع) : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) : أي ثلاثاً وثلاثين سنة (وَاسْتَوَى) : أي بلغ أربعين سنة (آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً) : أي عقلاً وفقهاً ، وذلك قبل النّبوّة ، أو هي النّبوّة. (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ) : وهي مصر أو بعض مدنها (عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا) : أي نصف النّهار والنّاس قائلون ، أو ما بين المغرب والعشاء (فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ) : أي يختصمان (هذَا مِن شِيعَتِهِ) إسرائيلي (وَهذَا مِنْ عَدُوّهِ) قبطي ، والقبطي يُريد أنْ يُسخّر الإسرائيلي ليحمل حطباً إلى مطبخ فرعون ، (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى) : أي دفع في صدره بجميع كفّه ، أو ضربه بعصاه ، (فَقَضَى عَلَيْهِ) فمات. (قَالَ هذَا مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ إِنّهُ عَدُوّ مُضِلٌ مُبِينٌ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقّبُ فَإِذَا الّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنّكَ لَغَوِيّ مّبِينٌ) : قاتلت بالأمس رجلاً ، وتُقاتل اليوم الآخر! (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) : وهو حزقيل مؤمن آل فرعون (قَالَ يَا مُوسَى إِنّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ) من مصر (إِنّي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَبُ قَالَ رَبّ نَجّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ وَلَمّا تَوَجّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ) : ولمّا سلك في الطّريق الذي يلقى مدين فيها ، ولم يكن له علم بالطّريق ؛ ولذلك قال : (عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيل). وقال ابن عباس : خرج موسى (ع) متوجّهاً نحو مَدين وليس له علم بالطّريق إلاّ حُسن ظنِّه بربِّه. وقيل : إنّه خرج بغير زاد ولا ماء ، ولا حذاء ولا ظهر ، وكان لا يأكل إلاّ حشيش الصّحراء. (وَلَمّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمّةً مِنَ النّاسِ) : جماعة من الرّعاة يسقون مواشيهم. (وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ) غنمهما وتمنعانه من الورود ، قال لهما موسى : (مَا خَطْبُكُمَا) : ما شأنكما؟ وما لكما لا تسقيان مع النّاس؟ (قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتّى يُصْدِرَ الرّعَاءُ) وينصرف النّاس ؛ فإنّا لا نُطيق السّقي ، فننتظر فضول الماء ، فإذا انصرف النّاس سقينا مواشينا من