المجلس الثّالث عشر بعد المئتين
كان هاشم بن عبد مناف أحد أجداد النّبي (ص) سيّد رجال قريش وحكّامهم ، وكان يحمل ابن السّبيل ويؤدّي الحقوق ، وكان يُضرب بجوده المثل. وكان قد تولّى أمر مكّة بعد أبيه ، وساد قومه بما كان عليه من محاسن الأخلاق وجليل الشّيم ، وكمال الشّجاعة ووافر الكرم ، وغاية الفصاحة وغير ذلك من الصّفات الفاضلة التي لم يطاوله بها أحد. واسمه عمرو ، ولُقّب هاشماً ؛ لأنّه أوّل مَن هشم الثّريد ـ وهو الخبز مع اللحم المطبوخ بالماء ـ وأطعمه النّاس بمكّة في سنة مجدبة رحل فيها إلى فلسطين ، فاشترى منها الدّقيق وقدم به إلى مكّة ، ونحر الجزر وجعلها ثريداً عمّ به أهل مكّة. وهو الذي كان يقوم بأمر النّاس في السّنين المُجدبة ويُطعمهم أحسن الطّعام ؛ ولذلك لهجت ألسنة العرب على اختلافهم في القبائل بالثّناء عليه. وهو أوّل من سنّ الرّحلتين لقريش ، رحلة الشّتاء إلى اليمن ورحلة الصّيف إلى الشّام ، اللتين ذكرهما الله تعالى في القرآن الكريم بقوله : (لأَيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) وفي ذلك يقول الشّاعر :
عَمرُو العُلا هشمَ الثَّريدَ لقومِهِ |
|
ورجالُ مكَّةَ مُسْنتونَ عِجافُ |
بَسطُوا إليهِ الرّحلَتينِ كليْهما |
|
عند الشّتاءِ ورحلة الأصيافِ |
وكان السّبب في سَنِّ هاشم الرّحلتين ما ذكره عطاء عن ابن عباس : إنّ قريشاً كانوا إذا أصاب واحداً منهم مخمصة ، خرج هو وعياله إلى موضع وضربوا على أنفسهم خباءً حتّى يموتوا. وكان ذلك من عادات الجاهليّة ؛ كانوا يفعلونه ترفّعاً عن السّؤال ، إلى أنْ جاء هاشم بن عبد مناف ، وكان سيّد قومه ، وله ابن يُقال له أسد ، وهو والد فاطمة بنت أسد اُمِّ أمير المؤمنين علي (ع). ولأسد تِرب (أي : مقارن في