المجلس الرّابع عشر بعد المئتين
روى الصّدوق ـ عليه الرّحمة ـ في كتاب (كمال الدّين وتمام النّعمة) ، بسنده عن ابن عباس قال : كان يوضع لعبد المطّلب بن هاشم فراش في ظلِّ الكعبة لا يجلس عليه أحد إلاّ هو ؛ إجلالاً له ، وكان بنوه يجلسون حول الفراش حتّى يخرج عبد المطّلب ، وكان رسول الله (ص) يخرج وهو غلام فيمشي حتّى يجلس على الفراش ، فيعظّم ذلك أعمامه ويأخذونه ليؤخّروه ، فيقول لهم عبد المطّلب إذا رأى ذلك منهم : دعوا ابني ، فوالله ، إنّ له لشأناً عظيماً ، إنّي أرى أنّه سيأتي عليكم يوم وهو سيّدكم ، إنّي أرى غرّةً تسود النّاس. ثمّ يحمله فيجلسه معه ويمسح ظهره ويُقبِّله ، ويقول : ما رأيت قبله أطيب منه ولا أطهر قط ، ولا جسداً ألين منه ولا أطيب. ثمّ يلتفت إلى أبي طالب ـ وذلك أنّ عبد الله وأبا طالب لاُمٍّ واحدة ـ فيقول : يا أبا طالب ، إنّ لهذا الغُلام لشأناً عظيماً فاحفظه واستمسك به ؛ فإنّه فرد وحيد ، وكن له كالاُمِّ لا يصل إليه شيء يكرهه. فلمّا تمّت له ستُّ سنين ، ماتت اُمّه آمنة بالأبواء بين مكّة والمدينة ، وكانت قدمت به على أخواله من بني عدي ، فبقي رسول الله (ص) يتيماً لا أب له ولا اُمٌّ فازداد عبد المطّلب له رقّة وحفظاً ، وكانت هذه حاله حتّى أدركت عبد المطّلبَ الوفاة ، فبعث إلى أبي طالب ـ ومحمَّد (ص) على صدره ـ وهو في غمرات الموت ، وهو يبكي ويتلفّت إلى أبي طالب ويقول : يا أبا طالب ، انظر أنْ تكون حافظاً لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه ، ولم يذق شفقة اُمّه. انظر يا أبا طالب ، أنْ يكون من جسدك وبمنزلة كبدك ، فإنّي قد تركتُ بنيَّ كلّهم وأوصيتك به ؛ لأنّك من اُمّ أبيه. يا أبا طالب ، ما أعلم أحداً من آبائك مات عنه أبوه على حال أبيه ، ولا اُمّه على حال اُمّه ، فاحفظه لوحدته. هل قبلت وصيتي؟ قال : نعم قد قبلت ، والله عليّ بذلك شاهد. فقال عبد المطّلب : فمد يدك إليَّ. فمدَّ يده إليه ، فضرب بيده على يده. ثمّ قال عبد المطّلب : الآن خُفّف عليّ الموت. ثمّ لم يزل يُقبّله ، ويقول : أشهد أنّي لم اُقبّل أحداً من ولدي أطيب ريحاً منك ولا أحسن وجهاً منك