المجلس الخامس عشر بعد المئتين
روى ابن عيّاش في كتاب مقتضب الأثر في النّص على الأئمة الاثني عشر ، بسنده عن الجارود بن المنذر العبدي ـ وكان نصرانياً فأسلم عام الحُديبية وحسن إسلامه ، وكان قارئاً للكتب عالماً بتأويلها ، بصيراً بالفلسفة والطّب ، ذا رأي أصيل ووجه جميل ـ قال : وفدت على رسول الله (ص) في رجال من عبد القيس ، ذوي أحلام وأسنان ، وفصاحة وبيان ، وحجّة وبرهان ، فلمّا بصروا به (ص) ، راعهم منظره ومحضره ، واُفحموا عن بيانهم ، فاستقدمت دونهم إليه فوقفت بين يديه ، وقلت : السّلام عليك يا نبيَّ الله ، بأبي أنت واُمّي! وأنشأت أقول :
يا نبيَّ الهُدى أتتك رجالٌ |
|
قَطَعَتْ فَدْفَداً وآلاً فآلا |
جابتِ البيدَ والمهامِهَ حتّى |
|
غالَها منْ طُوى السُّرى ما غالا |
قَطَعتْ دونَك الصحاصحَ تهْوِي |
|
لا تعدُّ الكلالَ فيكَ كلالا |
وطوتْها العِتاقُ تجْمحُ فيها |
|
بكماةٍ مثل النُّجومِ تلالا |
ثُمّ لمّا رأتكَ أحسنَ مرءٍ |
|
اُفحمتْ عنكَ هيبةً وجلالا |
تتَّقي شرَّ بأسِ يومٍ عصيبٍ |
|
هائلٍ أوجلَ القلوبَ وهالا |
ونداءً لمحشرِ النّاسِ طُرَّاً |
|
وحِساباً لمَنْ تمادَى ضلالا |
نحو نورٍ مِنَ الإلهِ وبرها |
|
نٍ وبرٍّ ونعمةٍ أنْ تنالا |
وأمانٍ منهُ لدَى الحشْرِ والنّشْ |
|
رِ إذِ الخلقُ لا يُطيق السؤالا |
أنبأ الأوَّلون باسمك فينا |
|
وبأسماءٍبَعدهُ تَتَتَالا |
قال : فأقبل عليّ رسول الله (ص) بصفحة وجهه المبارك ، وشمت منه ضياء لامعاً ساطعاً كومض البرق ، فقال : «يا جارود ، لقد تأخّر بك وبقومك الموعد». ـ وقد كنتُ وعدتهُ