المجلس السّادس عشر بعد المئتين
قال الصّدوق في كتاب كمال الدّين : كان قسُّ بن ساعدة بن حداق بن زهير بن إياد بن نزار الأيادي أوّل مَن آمن بالبعث من أهل الجاهليّة ، وأوّل مَن توكأ على عصا ، وكان يقول : إنّ لله ديناً هو خير من الدّين الذي أنتم عليه. وكان النّبي (ص) يترحّم عليه ، ويقول : «يُحشر يوم القيامة اُمّة واحدة». ثمّ روى بسنده عن أبي جعفر الباقر (ع) قال : «بينا رسول الله (ص) ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكّة ، إذ أقبل إليه وفد بكر بن وائل فسلّموا عليه ، فقال (ص) : هل عندكم علمٌ من خبر قسِّ بن ساعدة الأيادي؟ قالوا : نعم يا رسول الله. قال : فما فعل؟ قالوا : مات. فقال رسول الله (ص) : فكأنّي أنظر إلى قسِّ بن ساعدة الأيادي وهو بسوق عكاظ على جمل له أحمر ، وهو يخطب النّاس ويقول : اجتمعوا أيّها النّاس ، فإذا اجتمعتم فأنصتوا ، فإذا أنصتم فاستمعوا ، فإذا استمعتم فعُوا ، فإذا وعيتم فاحفظوا ، فإذا حفظتم فاصدقوا. ألا أنّه مَن عاش مات ، ومَن مات فات ، ومَن فات ليس بآت. إنّ في السّماء خبراً وفي الأرض عِبراً ، سقفٌ مرفوعٌ ومهادٌ موضوع ، ونجومٌ تمور وليلٌ يدور ، وبحارُ ماء لا تغور. يحلف قسٌّ ما هذا بلعب ، وأنّ من وراء هذا لعجباً. مالي أرى النّاس يذهبون فلا يرجعون؟! أرضَوا بالمقام فأقاموا ، أم تُركوا فناموا؟ يحلف قسٌّ يميناً غيرَ كاذبة : أنّ لله ديناً هو خير من الدّين الذي أنتم عليه. ثمّ قال رسول الله (ص) : رحم الله قسَّاً ، يُحشر يوم القيامة اُمّة واحدة. ثمّ قال (ص) : هل فيكم أحدٌ يُحسن من شعره شيئاً؟ فقال بعضهم : سمعته يقول :
في الأوَّلينَ الذَّاهبيْ |
|
نَمنَ القُرونِ لنا بصائرْ |
لمَّا رأيتُ مَوارداً |
|
للموتِ ليسَ لها مصادرْ |
ورأيتُ قَوْمي نحوَها |
|
تمضِي الأكابرُ والأصاغرْ |
لا يرجِعُ الماضي إليْ |
|
يَ ولا منَ الباقينَ غابرْ |